علي الرئيسي **
باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية
تتجه أنظار العالم نحو التطورات الاقتصادية في قارة آسيا لعلها تنقذ الاقتصاد العالمي من الركود، كما إن أسعار النفط تتأثر كثيرًا بزيادة أو انخفاض الطلب من آسيا، وفي تقرير صدر مؤخرا من البنك الآسيوي للتنمية، خفّض البنك من توقعاته للنمو في الصين لعام 2022 إلى 3.3% من 5.5% وهو ما توقعه في أبريل الماضي، وهو نمو منخفض بالنسبة للصين، كما خفض البنك توقعاته بالنسبة للعام المقبل 2023 إلى 4.5% بدلًا من 4.8%. ويُعزى تراجع النمو في الصين- وهو أكبر اقتصاديات آسيا- إلى الإغلاقات التي قامت بها جراء استراتيجية "صفر كوفيد"، بينما رفعت الدول الأخرى معظم القيود التي فرضتها سابقًا.
الدول النامية في آسيا حسب توقعات البنك الآسيوي ستسجل نموًا اقتصاديًا يبلغ 4.3% في عام 2022، بينما كانت توقعات في أبريل 5.3% بدون الصين سيبلغ متوسط النمو في المنطقة 5.3% أما بالنسبة لعام 2023، فيتوقع البنك أن ينخفض النمو إلى 4.9% رغم أن توقعاته كانت 5.3% في أبريل.
ويفسر التقرير أن من أسباب هذا التراجع في النمو، التحديات التي تواجهها دول المنطقة جراء الحرب في أوكرانيا؛ حيث دفعت بأسعار الغذاء والطاقة إلى مستويات مرتفعة غير مسبوقة. كما إن النمو في آسيا يعتمد في معظمه على الطلب على صادرات هذه الدول، خاصة وأن تشديد السياسة النقدية في الدول الصناعية لمحاربة التضخم سيؤثر سلبًا على الطلب العالمي على سلع وخدمات المنطقة.
وبالرغم من ذلك، ستسجل بعض دول آسيا نموًا معقولًا وخاصة أندونيسيا والفلبين وسنغافورة (حوالي في حدود 5%)، والهند (سيبقى نمو الاقتصاد الهندي في حدود 7%)، بينما ستعاني دول أخرى من تباطؤ في النمو الاقتصادي، كما ستواجه ماليزيا وضعًا اقتصاديًا صعبًا؛ حيث من المحتمل أن تلجأ الى صندوق النقد الدولي والتي حاولت مرارًا رفض وصفاته في عملية تصحيح الاقتصاد الماليزي. بينما الاقتصاد الباكستاني يمر بأزمة خانقة رغم جرعات صندوق النقد الدولي ومساعدات دول صديقة لباكستان.
الاقتصاد التايلندي بدأ في التعافي نسبيًا غير أنه تعافٍ ما زال دون التوقعات؛ فقد بلغ النمو الاقتصادي في النصف الأول من العام الجاري 2.5% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وذلك يعود للتعافي النسبي في النشاط الاقتصادي وعودة السياح إلى حد ما. غير أن التضخم وصل إلى أعلى مستوى له منذ 13 عامًا؛ حيث بلغ 7.1% في مايو من هذا العام. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تراجع الفقر والبطالة مقارنة بالعام الماضي، إلّا أن دخل العمال والأسر قد تراجع، بينما ارتفعت مديونيتهم (وفقًا لتقارير البنك الدولي). علاوة على أن الحساب الجاري لتايلند شهد عجزًا بسيطًا خلال العام 2022، وذلك نتيجة لاختناقات سلاسل التوريد، إلى جانب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر نتيجة لتباطؤ الاقتصاد الصيني الذي يمثل مصدرًا مهمًا للاستثمار في تايلند. ويتوقع اقتصاديون أن يتدهور سعر صرف العملة التايلندية ليصل إلى 38 باتًا (عملة تايلند) للدولار الواحد، وذلك يعود الى السياسة النقدية في الولايات المتحدة والى قيام الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي برفع أسعار الفائدة على الدولار.
من ناحية أخرى، تتحول فيتنام الى مصنع كبير للعالم، فتجد عبارة "صنع في فيتنام" مطبوعة على كثير من الصناعات من المنسوجات إلى الإكسسورات، وأجزاء ولوازم الكمبيوترات والإلكترونيات ومختلف الصناعات. اقتصاد فيتنام نما أسرع من أي اقتصاد آسيوي في السنوات الأخيرة باستثناء الصين، فقد سجلت فيتنام متوسط نمو سنوي بلغ 6.2%. واستطاع هذا البلد- الذي دمرته الحرب في القرن الماضي- جذب كثير من الاستثمارات الأجنبية بدءًا بشركة نايكي (Nike) وشركة أديداس (Adidas)؛ حيث كانت هذه الشركات وقتها تبحث عن أيدٍ عاملة رخيصة، إلى أن تحولت فيتنام إلى الصناعات المتقدمة في الإلكترونيات خالقةً وظائف ذات قيمة أعلى ودخل أعلى. وفي عام 2020 شكلت الإلكترونيات 38% من إجمالي صادرات فيتنام، بينما كانت تشكل 14% في عام 2010.
التوقعات حول الاقتصاد العالمي يسودها كثير من عدم اليقين وخاصة في ضوء الاضطراب الجيواستراتيجي الذي يسود العالم، وبالتالي لا يمكن الجزم حول كثير من المؤشرات الاقتصادية وبالذات بالنسبة لأسعار النفط والغاز، ورغم أن التوقعات تشير إلى بقاء أسعار النفط مرتفعة خلال السنتين القادمتين، إلا أن من الحكمة اتباع سياسات تحوطية من بناء الاحتياطيات الأجنبية وخفض المديونية واستثمار عائدات النفط في مشاريع اقتصادية منتجة.