"فتح وشاف ديك"

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

يحكى أن رجلا كفيفًا كان يعيش في إحدى القرى، حيث ولد فاقدا لنعمة البصر، ولا يرى حوله سوى الظلام الدامس، وفي يوم من الأيام حدث أن فتح الله بصره لثوانٍ معدودات ليُبصر أمامه ديكًا جميلاً ملون الريش، فانبهر بجماله، وسأل من بجانبه وعيناه تحدقان بتركيز في محاولة لاستيعاب ماهية هذا الشيء، وما أن ردَّ عليه بأن هذا ديك حتى طُمس بصره مرة أخرى، لتظل صورة الديك عالقة في رأسه، فكان لا يمر حديث في مجلس ويدور الحديث عن شيء ما حتى يُشارك فيه سائلا: مثل الديك؟!، وظل على هذه الحال يشبه كل شيء وأي شيء بالديك، فجرى عليه المثل العماني: "فتح وشاف ديك".

تمر بنا المواقف في حياتنا اليومية لنصادف في طريقنا مثل نوعية "فتَّح وشاف ديك"، فنجد الكثير ممن يتمسكون برأيهم ولا يرغبون في استيعاب الرأي الآخر، يحتدون عندما يحتدم النقاش ويصرون على وجهة نظرهم لأنها الأصوب في رأيهم، وحتى عندما يقومون بمناقشة أو مجادلة ذوي الخبرة والتخصص يرفعون عقيرتهم، منحازين إلى رأيهم الذي لا يعتمد على مؤهل أو خبرة بل استقوه من رسالة محولة في أحد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، اختلط فيها الحابل بالنابل، ومزج فيها الغث بالسمين، ليسهل بها خداع مثل هذه النوعية من البشر، وما أكثر هذه الرسائل في يومنا هذا.

كان الحصول على المعلومة صعب المنال قديمًا، وكان علماء الحديث والفقة والسيرة يرتحلون من قطر إلى آخر من أجل الحصول على معلومة مُعينة، وقد يظعنون إلى عدة أقطار للتثبت من صحتها، وكلنا يعلم أن وسائل مواصلاتهم إما الدواب أو راجلين، أما اليوم فالسفر أصبح متاحاً بسرعة الرصاصة، وأصبحت المعلومات متاحة ويسيرة، ولا تحتاج إلى السفر والارتحال، بل إنك لا تتجشم مشقة الوقوف والانتقال من غرفة إلى غرفة أخرى، ورغم ذلك ما إن تصل المعلومة يقوم المرء منِّا بتحويلها إلى المجموعات دون أن يكلف نفسه التثبت من صحتها، فتنتشر الرسالة في ثوانٍ معدودة انتشار النار في الهشيم، وكم من شخص تناقل الناس خبر موته وهو حي يرزق، وكم من شخص زوج وطلق وهو لا ناقة له ولا جمل في ذلك الخبر، وكم من بيوت اشتعلت نيران الخلاف في أركانها بسبب معلومة مغلوطة، يتذكر البعض منِّا ذلك المقطع لذلك الذي يدعي اكتشافه أنَّ فاكهة المانجو تخفض نسبة السكر في الدم، وقيامه بتجربة حيَّة أمام جمهور عريض، مستخدما جهاز قياس السكر المعروف، لينتشر ذلك المقطع ويصل إلى كثير من الناس ومنهم مرضى السكري، وربما قام العديد بتجربة أكل المانجو وارتفع لديهم مستوى السكر وحدث ما لا تحمد عقباه، ونذكر أيضًا أن العديد من الأطباء -جزاهم الله خيرا- قاموا بدحض هذه المعلومة الخاطئة، ولكن للأسف كان تداول المعلومة المغلوطة أكثر انتشارا من دحضها.

التثبت من صحة ما ننقل يندرج تحت بند "مَّا یَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَیۡهِ رَقِیبٌ عَتِیدࣱ"  (ق: 18)، فنحن محاسبون على كل كلمة ننطقها أو ننقلها، لذا وجب علينا التحري من صدق كل ما ننقله إلى الآخر، وأن نتدرب على المرونة في الجدال والنقاش، وإلا اندرجنا في خانة المِراء (بكسر الميم)، وهو ما يكرهه الله تعالى جلَّ شأنه.

 

------------------------------------------

توقيع:

قال أشكي الزمن وأهله إذا الليل جن..

والزمن ما تغير بس..

أهل الزمن ويلاه متغيرين

رحمتك رحمتك..

يا رحمتك يا معين

أبوبكر سالم بلفقيه