تسهيل الإجراءات (7)

 

دور التقنية

د. صالح الفهدي

حين سألت أحد الموظفين: لِمَ لا تحوِّلون معاملاتكم إلكترونيًا إلى الجهة الفلانية؟ أجاب: لأنهم يرفضون أن نحوِّل المعاملات إلكترونيًا، ويفضِّلونها ورقيًا! وحين سألتُ موظفًا في الجهة التي ترفض المعاملات الإلكترونية إن كان لديهم نظام إلكتروني يخفِّف على الناس تعقيد الإجراءات، وبطئها، أجابني: الموظفون منشغلون عن النظام بالأعمال المباشرة مع المراجعين!!

إذن فلن نتقدَّمَ بهذه الأفكار والسلوكيات التي تعشِّش في بعض الجهات الخدمية، على أن وجود النظام الإلكتروني لا يعني سهولة الخدمات، وسرعة الإنجاز، ووضوح الإجراءات، وهذا من الغرائب التي تحدثُ في بعض الجهات، وهو أن لا تُحسن استغلال الأنظمة الإِلكترونية في اختصار الإجراءات، وسرعة إنجازها، بل أنها تنقلُ ما كان في الأوراق من تعقيدات إلى الأَنظمة الإلكترونية طبقَ الأصل!، فضلًا عن أن بعض الجهات كأنَّما تتعامل عبر الأنظمة مع فكرة ملفَّات الأرفف، فتفقدُ خلفيات المواضيع كمثل الجملة الشهيرة التي تحدث في كثيرٍ من الأحيان "ضيَّعنا موضوعك، قدِّمه مرة أُخرى"!.

في موضوعٍ لي بإحدى الجهات الخدمية وبعد أن خرجنا من المرحلة الأساسية من الموافقات، وتجاوزنا الملاحظات، وتم اعتماد الموضوع، ثم انتقلنا إلى المرحلة الثانية إذا بالموظفة تعيدنا إلى ملاحظات المرحلة الأُولى وكأنَّ شيئًا لم يكن، حتى إنني كتبتُ لمديرها العام: "لقد أعادتنا إلى المربَّع صفر"!، مع تساؤلٍ: أين ذهبت خلفيات الموضوع في النظام الإلكتروني؟ ألا يفترض أن تكون واضحة ومتدرجة؟ أم أن الموظفة لم تكلِّف نفسها عناء الإِطلاع عليها في سجلِّ الخلفيات التاريخية للموضوع (History)؟!

لا يُعقلُ- ونحنُ في زمن الثورة الرابعة؛ ثورة الذكاء الإصطناعي- أن يكون أداء بعض الجهات الخدمية متأخرًا جدًا في تعاملها مع الأنظمة الإلكترونية التي يُفترضُ أن تُسهِّل على الناس قضاء مصالحهم لا أن تصبحَ عبئًا عليهم.

التحوُّل الرقمي ليس مجرَّد شعار لفظي كضرورة عصرية للمؤسسات الحكومية والخاصة من أجل تحسين وتطوير خدماتها التي تقدمها للمستفيدين منها، وإنَّما يجبُ أن يتحوَّلُ هذا "التحوُّل" إلى واقعٍ ملموسٍ في صعيد التعاملات والإنجازات ليحصد المستفيدون الفائدةَ من ورائه.

إنَّ التوقيت الزمني الحازم للتحوُّل الرقمي أمرٌ فاصلٌ في مسيرة ركوب موج الخدمات الإلكترونية، وإلا فإن العقول البليدة تفضِّل بقاء الحال كما هو دون تغيير. يُخبرني وكيل إحدى الوزارات- حينما كان في منصبه- أنَّه اعتمدَ برنامجًا إلكترونيًا في وزارته، فثارت ثائرة الكثير من الموظفين، وأبدوا اعتراضهم على البرنامج الذي ينقلهم من "منطقة الراحة" التي يعيشونها بأفكارها التقليدية، إلى "منطقة المشقَّة" حسب اعتقادهم، لكن وكيل الوزارة طلب منهم أن يقيِّموا البرنامج خلال 6 أشهر، ويردف قائلًا: بعد ستة أشهر من اعتراضاتهم الشديدة على البرنامج، فاجأتهم قائلًا: أننا سنتوقف عن العملِ على البرنامج لأنه لا يفيدنا!، هُنا- على عكس مواقفهم السابقة- اعترض الموظفون مؤيِّدين بقاء البرنامج، بحجَّةِ أنَّه سهَّل عليهم عملهم!!

القضيَّة إذن تكمنُ في تغيير القناعات وفرضِ القرارات؛ فالنفس البشرية مقاومة للتغيير بطبيعتها، لكنها إن لم تجد مجالًا للتنصُّل من المسؤولية تكيَّفت مع وضعها الجديد، وهذا ما حدث منذ ما يقارب العشرة أعوام في دولة الإمارات العربية المتحدة حينما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن إطلاق «الحكومة الذكية» والبدء فورًا في العمل على تنفيذ كل الخطوات المطلوبة لتحويل خدمات «الحكومة الالكترونية» إلى «حكومة ذكية»، أي حكومة يمكن لأفراد المجتمع أن يستفيدوا من خدماتها عبر الهواتف النقالة الذكية طوال الـ24 ساعة في اليوم، وخلال سبعة أيام في الأسبوع، وعلى مدار 365 يومًا في السنة، على أن يتم التحول الكامل للحكومة الذكية خلال فترة زمنية مدتها عامان، وأذكرُ أنه غرَّد في حساباته بوسائل التواصل الإجتماعي بأنَّ كل وزير لا يتمكن خلال العامين من الوصول بوزارته إلى نسبة 80% من الخدمات الذكية فإنه سيقيم له حفلة وداع.

لقد برز دور التقنية في العملِ والتعليم عن بعد في وقت جائحة كورونا، حتى وجدت الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة بأنَّ العمل عن بعد –على خلاف افتراضاتهم- لم يؤثر في إنتاجية العمل، بل أنه زاد في بعض الأحيان من مستوى الإنتاجية. على سبيل المثال في مجال القضاء بدول الإمارات العربية المتحدة، يقول المستشار أحمد محمد بشير: "الأنظمة الإلكترونية على الرغم من حداثة العهد بها في المحاكم، أسهمت بشكل كبير في تسريع خطوات التقاضي والتخفيف على المتعاملين في الخدمات العدلية؛ حيث مكَّنت أفراد المجتمع وهم في منازلهم أو عملهم من توثيق العقود واعتماد الوكالات وكافة الأعمال الإدارية المتعلقة بالمحكمة من تصديقات وطلبات الأحكام والملفات وغيرها، وهو ما أدى إلى توفير الكثير من الوقت والجهد".

بيدَ أن كثيرٍ من المؤسسات لم تستفد من هذه الفكرة بعد تضاؤل الجائحة، خاصَّة وزارة التربية والتعليم التي اعتمدت في فترة الجائحة على التعليم عن بعد، فأنفقت أموالًا طائلة في سبيل التعليم عن بعد ثم أنها لم تستفد منها بعد ذلك في عمل الأنشطة وحل الواجبات وغير ذلك.

خلاصة الكلام.. إننا يجب أن نستفيد من التقنية وأنظمتها بأقصى ما نستطيع، فالمستوى الذي عليه مؤسساتنا بحاجة ماسَّة إلى جهد جهيد، وعمل دؤوب، من أجل تسهيل الإجراءات وتحسين الخدمات.