حرية رأي.. ولكن!

 

 

حمود بن سيف السلماني **

 

يُمكن تعريف حُرية الرأي والتعبير بأنه اعتناق الآراء المختلفة دون تدخل من الآخرين ودون الخضوع لأي استثناء أو تقييد من أحد، لقد كُفل حق الرأي والتعبير منذ خلق البرية على الأرض، ومن حق أي إنسان أن يُعبر عن رأيه بكل حرية ودون أي تقييد أبدًا.

ومن خلال الاطلاع على مراحل تطور الحياة على الأرض نجد أن حرية الرأي تتفاوت من مكان لآخر ومن عصر لعصر، وحتى في مسألة التعلم والتعليم ونشر الأفكار الصحيحة فإنها تختلف من عصر لآخر، حيث كان قديمًا ممنوعا على طالب العلم مُناقشة المعلم مهما كان في المسائل التي يتعلمها، وإنما يتوجب عليه تلقي المعلومات من معلمه سواء كانت صحيحة أو لا.

ومن القصص القرآنية التي تُوضح سيطرة الحكام على حرية الرأي والتعبير في زمن سيدنا موسى عليه السلام، عندما قال فرعون للسحرة بعدما آمنوا بسيدنا موسى عليه السلام: "قال آمنتم له قبل أن آذن لكم"، دلالة تامة على أن فرعون كان يُسيطر على كل شيء في ذلك الزمن ولا يُمكن لأحد أن يقوم بفعل دون الرجوع إليه أو بما يتوافق مع أفكاره ومعتقداته.

لكن الإسلام كفل حق كل شخص في التعبير عن رأيه وحريته في التفكير، ولم يلزم أي أحد باعتناق الدين الإسلامي، قال ابن جزي- رحمه الله- إنَّ "لا إكراه في الدين" تعني أن دين الإسلام في غاية الوضوح وظهور البراهين على صحته، بحيث لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه؛ بل يدخل فيه كل ذي عقل سليم من تلقاء نفسه، دون إكراه ويدل على ذلك قوله "قد تبيَّن الرشد من الغي"؛ أي قد تبين أن الإسلام رشد وأن الكفر غيٌ، فلا يفتقر بعد بيانه إلى إكراه.

ويلاحظ في العصور الحديثة أن الدول قد حفظت حقوق الأفراد في التعبير عن الرأي ولكل دولة طريقتها وقانونها في ذلك، وليس ذلك ببعيد عن المشرع العماني حيث إن النظام الأساسي للدولة قد حفظ وكفل حق حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير  بشرط أن تكون في حدود القانون، بحيث لا يمكن أن يقوم الشخص بالكتابة أو القول أو التعبير عن العصيان أو الشذوذ أو أي من شأنه أن يمس المجتمع ومكانته حيث إن ذلك يقلل من متانة المجتمع وتلاحمه وقوته وصلابته، فلايمكن أن يعتبر ذلك من حرية الرأي والتعبير، لأن حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

وفي الفترة الأخيرة قام الكثيرون بالظهور في برامج التواصل الاجتماعي بالحديث بشكل عشوائي جدًا؛ سواء بالقول أو الكتابة، والتطرق لمسائل لا علم لهم فيها بأن يذكروا بعض الأرقام والأحداث بدون أي مستندات أو حقائق معينة، ولا يبالون بما يذكرونه من معلومات مغالطة قد تسبب الكثير من الأضرار على المجتمع أو بعض الأفراد أو الشركات، فكل ذلك من أجل أن يسرد الكلمات بالقول أو الكتابة فقط، دون المبالاة بما يؤول إليه ما يقوله أو يكتبه، بالتالي فلا يكون ذلك من قبيل حرية التعبير عن الرأي بشيء أبدًا.

والمشرع العماني نظم حرية الرأي والتعبير وذلك بالنص عليه في النظام الأساسي للدولة، الأمر الذي نرى أنه يصون حرية الرأي والتعبير بالقول والكتابة وبكافة الوسائل المشرعة بالقانون، بشرط ألا يكون هناك إخلال بالنظام والتهجم علانية على الآخرين.

وفي الختام.. فإننا ننصح بعدم نشر أي معلومات أو أخبار أو أي ما من شأنه الأضرار بالمجتمع أو الأفراد بأي طريقة كانت، ويمكن للشخص التعبير عن رأيه بكل حرية وسلاسة بشرط ألا يسبب ضررًا للآخرين؛ حيث إن حرية الرأي والتعبير مكفولة بقوة القانون، وقد قال المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد إنه لا يمكن أبدًا مصادرة الفكر، وذلك ما أكد عليه أيضًا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق- أيداه الله- وهذا يدل على مدى اهتمام صاحب الجلالة بحرية الرأي والتعبير.

** محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك