الأمان المزدوج

 

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

أحاولُ كثيرًا مقاومة النظرة السلبية للأشياء، لكن يبدو أنني واقع في فخها، والمسألة لا تخرج عن ذلك؛ فالنظرة الإيجابية تنحسر مع كل تفكير يطرح أحوال الناس في بلداننا النفطية، ولا أعزي ذلك لوجود الوافدين؛ فالأرزاق يسوقها رب كريم.

كلما وجدت مخرجا لتفكيري، نازعتني إليه أحداث الواقع، وسوف أقيس عليه حديثي هذا، ستكون فرضيتي نابعة من تلك النظرة، مع أني أحب الإيجابية والإيجابيين لكنني لا أستطيع أن أكون منهم، لو فرضنا أن الواقع الحالي سلبيا (على الأقل في الوقت الحالي)، ما زلت أقول إن الإدارة هي منبع الخير أو منبع الشر، لا يمكن تخيل بلد أو قطاع بدون إدارة ولا أنكر وجود الإدارة في كل مكان بل في كل شيء، فبدونها لا ترقى الأمم ولا تتقدم، وإذا أحكمت فليس من السهل أن تسوء.

لستُ مُطّلعًا على أحوال الشعوب كثيرًا، لكن محيطي يواجه الكثير من التحديات، فبعد أن شحت الوظائف، وسُرِّحَ كثيرون من أعمالهم بسبب قلة المشاريع الحكومية، وبعد أن خُفِّضَت رواتب الخريجين، في ظل عدم إيجاد حلول جذرية لوضع الحد الأدنى لرواتب المواطنين سواء المتقاعدين أو أصحاب الضمان وغيرهم، علاوة على سحب بعض الميزات الحكومية كدعم بعض الخدمات، وظهور ضرائب إضافية كالضريبة الانتقائية وضريبة القيمة المضافة على بعض السلع الاستهلاكية، ما يمثل عبئًا آخر على الفرد، كما يلوح في الأفق ضريبة الدخل التي نأمل أن لا تطال الطبقة الفقيرة.

والحديث عن التحديات ليس سلبيًا؛ بل هو واقع يعيشه كثيرون، والواقع يحمل المتناقضين مع تغليب السلبية بالنظر إلى شريحة عريضة في المجتمع، وأجده يزداد يومًا تلو يوم، أنا هنا أتبنى النظرة الواقعية وجينوم العيش الفعلي في المجتمعات؛ إذ لم يستطع النفط أن يروي عطش هذه المجموعة البسيطة من الأفراد في العالم العربي؛ فبعد أن أُتخمت جيوب قلة قليلة من هذه المجموعة بقي الهم الشاغل في كيفية إدارة الأموال الكثيرة، وبما أن لدى بقية الشعب الجزء اليسير من هذه الأموال، فإن من الواجب الاهتمام بها أيضًا، لكن بالشكل الذي يضمن عدم تطورها والانكفاء بما هو موجود، وأن تبقى تدور في رحاها دون تقدم أو تنمية؛ بل يجب مراقبتها ودحض أي تقدم لها.

لو تحقق بعض تلك الكلمات التي تقال في عمرنا الصغير عن التنمية والتقدم، لكنا فوق السحاب نطاول النجمات ونمسك بها، نسترخي على فرش الحرير ونستلهم الأفكار من راشفات الغيم ونجري ننثرها على الغير ليستفيد من تجاربنا. نشعر الآن أن التخدير الذي ألفناه هو مطية الزمن وعيش اللحظة كتجربة مريرة بانتظار الفرج.

لا شيء نرجوه بعد هذا العمر سوى افتتاح أكبر مكتبة ترجعنا إلى أمجادنا الغابرة وتُؤكد أحقيتنا بريادة العالم، وافتتاح أكبر مركز للابتكارات في العالم نصدر فيه ابتكاراتنا لتعم التكنولوجيا وتزدهر الدنيا أكثر على يدينا، وافتتاح أكبر مصانع السيارات والطائرات وأكبر المطارات، وأن نبتكر في الغذاء والصحة ما يحوم حوله العالم، نريد أن نسبق الجميع فالنفط جاء ليسعدنا لا ليشقينا، جاء لنساعد به بعضنا لا لتأكيد المؤامرات وتنظيمها.

نريد ابتكارًا صاروخيًا ينتشل الفقر من أعماقه وينتشر تأثيره إلى جميع الأماكن المقهورة في العالم لتخضر الدنيا وتنبت رأفة ومحبة، سيورق القبح من حولنا يوما ما رؤوسا جامدة وأفئدة لا تقدر على الحب وجمودا في المشاعر وحارات من البؤس والتشذرم.

وستدخل أمخاخنا حيزها المحدود إلى أن يأتي يوم تشطح فيه ونسمع صياح الديكة وزقزقة العصافير بالطريقة التي لم نسمعها من قبل، سيكون يومنا جميلًا صافيًا، والمعلومة المتداولة واقعية وإيجابية تراعي الذمة وتكرس الأمان المزدوج.

تعليق عبر الفيس بوك