التحفيز لمواجهة الركود

حاتم الطائي

◄ التحديات الاقتصادية والمالية ما زالت قائمة.. لكن التعافي يتحقق تدريجيًا

◄ الإدارة الرشيدة للأزمات جنّبت اقتصادنا الوطني مخاطر محتملة

◄ الجميع يتطلع لإطلاق مبادرات تسهم في الإنعاش الاقتصادي وتوفير الوظائف

لا صوتَ يعلو فوق صوت الحديث عن الركود الاقتصادي الذي بات يُهدد العالم، والتحديات التي تعصف بالعديد من الاقتصادات، ليس أقلها أزمة أسعار الفائدة والتضخم المُرتفع، الأمر الذي يفرض على مختلف الأنظمة الاقتصادية التباحث حول أنجع الحلول وأفضل الاستراتيجيات للتعامل مع هكذا تحديات، تنذر بعواقب اقتصادية سلبية على الجميع، وما يؤكد ذلك التوقعات الاقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية ومراكز الأبحاث، والتي تُشير في مختلف إصداراتها وتقاريرها إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي والمصاعب التي تواجه الاقتصادات، سواء النامية أو الناشئة، أو حتى المُتقدمة.

وهنا في سلطنة عُمان نتعرض لذات التحديات، رغم أننا لم نتعافى تمامًا من تداعيات أزمتي كورونا والتراجع الكبير في أسعار النفط، وما استتبع ذلك من قفزة في الدين العام والعجز المالي. وقد أثرت هاتان الأزمتان على جوانب عدة من اقتصادنا، فرغم ما تحقق من تطور في أداء القطاعات غير النفطية، وزيادة إسهاماتها في نمو الناتج المحلي الإجمالي، ظلّت المالية العامة للدولة تعاني من ضغوط شديدة، خاصة في جوانب الإنفاق، وزيادة العجز المالي، والذي جرى مُعالجته بإجراءات تسببت في ارتفاع الدين العام. ومع استمرار التعافي التدريجي للاقتصاد، منذ النصف الثاني من العام الماضي 2021، وبفضل السياسات المالية الحكيمة وخطط الترشيد والتوازن المالي وغيرها، نجحت حكومتنا في تجاوز عقبة العجز المالي، واستطاعت بفضل نمو الإيرادات النفطية وسياسات الإنفاق المُتوازنة، تسجيل فوائض مالية فعليّة منذ مطلع العام الجاري، مدعومةً بالتعافي الملحوظ في أسعار النفط وارتفاعتها المتتالية رغم بعض التراجعات.

وعندما ندقق في الأرقام المُعلنة حول أداء الميزانية العامة للدولة بنهاية يوليو 2022، نجد أنَّ الحكومة استطاعت تحقيق فائض مالي وصل إلى مليارٍ و19 مليون ريال عُماني، بينما في نفس الفترة من العام الماضي سجلت 1.206 مليار ريال عجزًا ماليًا، وهنا يتضح الفارق الكبير والانعكاس الواضح للنتائج الطيبة التي حققتها الخطط والبرامج الرامية لمعالجة التحديات المالية في الموازنة، وعلى رأسها العجز.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن كيفية إدارة الأزمات الاقتصادية، والحكمة وراء اتخاذ إجراءات قد يراها البعض لا تلبي تطلعات المواطن، لكنها ضرورية من أجل استمرارية الأداء المالي، فلنا أن نتخيّل أن الحكومة لم تتخذ أية خطوات من أجل وضع حلول لتراجع إيرادات النفط الذي يمثل النسبة الغالبة من الإيرادات العامة للدولة، أو أنها لم تتدخل لكبح الإنفاق العام وترشيد النفقات غير الضرورية وتأجيل بعض المشروعات غير المُلِحة، والكثير من الإجراءات التي هدفت إلى تحقيق ذات الهدف الأسمى؛ وهو تجاوز الأزمة الاقتصادية والعبور إلى بر النجاة.

الآن، والحكومة تحقق فائضًا ماليًا يُتوقع أن يتضاعف بنهاية السنة المالية الجارية إذا ما استمرت أسعار النفط عند مستوى أعلى من 90 دولارًا، كما هو الآن، فإنَّ النتائج ستكون مُبشرة للغاية، وعام 2023 سيشهد زيادة ملحوظة في معدلات الإنفاق. لكن في الوقت ذاته، لا يجب أن نغفل أن الأوضاع الاقتصادية العالمية تؤثر وبشدة علينا، إذ ما يزال أمام الحكومة تحديان كبيران، وهما: أولًا: التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار السلع سواء المحلية أو المستوردة، فمعظم الإنتاج المحلي يعتمد على استيراد مواد خام، وكُلفة الاستيراد في الوقت الراهن تشهد زيادات واضحة بسبب ارتفاع قيمة الدولار عالميًا مع زيادة الفائدة الأمريكية. أما التحدي الآخر فيتمثل في الركود الاقتصادي الناجم عن التضخم فيما يُعرف بـ"الركود التضخمي"، والذي يتفاقم مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتباطؤ نمو الاقتصادات الكبرى.

الجميع الآن، من مستثمرين محليين أو أجانب، ورواد أعمال، ومؤسسات القطاع الخاص، يأملون ويترقبون إطلاق حزم تحفيزية ومبادرات لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة للشباب، مع المحافظة على مستويات التضخم الحالية، والتي تُعد ضمن المستويات الجيدة، مقارنة بما تشهده دول أخرى، فالتضخم في عمان ما زال في خانة الآحاد، بينما في دول أخرى قريبة منِّا يتخطى خانة العشرات منذ شهور طويلة، وهناك دول قفزت فيها معدلات التضخم إلى خانة المئات والآلاف، وهذا ما يُسمى بـ"التضخم المُفرط". ولا شك أنَّ من الأهمية أن تتضمن حزمة التحفيز إطلاق برامج تمويلية قصيرة الأجل وبمعدلات فائدة منخفضة، من أجل مساعدة القطاع الخاص على تسريع عمليات الإنتاج، والدفع نحو مزيد من الدعم للقطاعات التصديرية، والاستفادة من المقومات الاستراتيجية وخاصة الموانئ المتقدمة تكنولوجيًا ولوجستيًا. كما من المؤمل أن يشتمل هذا التحفيز على برامج اجتماعية لدعم الفئات الأكثر تضررًا من الظروف الاقتصادية؛ الأمر الذي يُعزز القوة الشرائية لمختلف أفراد المجتمع.

ويبقى القول.. إنَّ الاستفادة من الفوائض المالية والزيادة المتواصلة في نمو الإيرادات، من شأنها أن تساعد على تجاوز التحديات الاقتصادية، والتي قد تتعاظم خلال الشهور المقبلة، لكن الآمال معقودة على التحركات المناسبة والمتوازنة من قِبل حكومتنا الرشيدة، في ظل حرصها الكبير على مواصلة مسيرة النمو الاقتصادي تحقيقًا لأهداف رؤيتنا المستقبلية "عُمان 2040"، والدفع بالاقتصاد العُماني إلى مراتب الازدهار والنماء.