الإعلام والأزمات

مدرين المكتومية

لا يُمكن تصوُّر مُعالجة أي أزمة، خاصة إذا ارتبطت بحياة النَّاس اليومية، دون وجود إعلام فاعل يُسهم في توعية أفراد المجتمع بمستجدات الأزمة والجهود المبذولة لحلها إن وُجدت، وكذلك نقل شكواهم من هذه الأزمة للجهات المعنية، وأزمة انقطاع الكهرباء التي شهدتها معظم محافظات السلطنة قبل يومين، خير دليل على وجود اختلالات في الرؤية الإعلامية لدى عددٍ من الجهات، ليس فقط المعنية بقطاع الكهرباء لكن بشكل عام أيضًا.

أزمة انقطاع الكهرباء رغم أنَّها بدأت تقريبا في الواحدة والنصف ظهرًا، إلا أنَّ أول بيان حكومي رسمي يُقر بالأزمة كان بعد أكثر من ساعة تقريبًا، رغم أنَّ هذا البيان لم يتجاوز 3 أسطر! ومن ثم توالت البيانات والتوضيحات من مختلف الجهات. وقد سعت جريدة الرؤية ومنذ اللحظات الأولى للانقطاع إلى الاتصال بعدد من المسؤولين والجهات، ومن المؤسف القول إنَّ المسؤولين إما أنهم اعتذروا بالانشغال ووعدوا بإعادة الاتصال (وهذا طبعًا أسلوب رائع للهروب من المكالمة الهاتفية)، أو أنهم رفضوا الإجابة على أي استفسار، أو أنهم لم يُجيبوا على الهاتف من أساسه؛ بل وتجاهلوا رسائل "الواتساب"!!

إنَّنا هنا أمام أزمة أعمق من أي أزمة أخرى، ولا يُمكن لأي جهة أن تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة المتحدث الرسمي، أو أن يُصدر مسؤول- أيًا كان موقعه- تعليماته للعاملين في أي مؤسسة أو جهة حكومية- وربما حتى خاصة- بعدم الحديث لوسائل الإعلام، وكأن الإعلام عدو يتربص بهم، وكأن الصحفيين غير معنيين بمتابعة الأحداث ونقلها للمواطن في كل مكان. وفي الواقع أندهشُ كثيرًا من المسؤول الذي يُفضّل التصريح عبر تغريدة في حسابه أو حساب المؤسسة أو الوزارة التي تتبعه، بدلًا من التحدث إلى الصحف والمواقع الإخبارية، فهل يظن هذا المسؤول أنَّه بذلك يُوصل رسالته لمن يهمهم الأمر من المواطنين؟!

هذا الارتباك في إدارة الأزمة إعلاميًا تسبب في انتشار شائعات مؤسفة من اللحظة الأولى، وهي شائعات تمس- إذا صح التعبير- قضايا أمنية وحساسة، بينما صدر تصريح لأحد المسؤولين ينفي صحة الشائعات، لكن بعدما انتشرت كالنار في الهشيم. إنَّ من يتحمل مسؤولية انتشار الشائعات ليس المواطن أو المغرد؛ بل المسؤول الذي قرر تجاهل الإعلام ورفض الرد على استفساراته. وهنا نكرر الطلب القديم المتجدد، لا بُد من وجود متحدث إعلامي باسم كل مؤسسة في الدولة، حكومية أو خاصة، يحظى بعلاقات واسعة مع كل الصحفيين والمحررين، يستطيع بضغطة زر الوصول لكل وسائل الإعلام في لحظة واحدة، لينقل لهم بيانًا رسميًا أو ينفي شائعة، أو... أو...!

للأسف في كل مرة نتعرض فيها لأزمة نُكرر نفس المناشدات والمطالب، ونشكوا من ذات الأسلوب في تعامل المسؤولين مع الصحفيين.

أزمة انقطاع التيار الكهربائي عن معظم المحافظات، تؤكد أيضًا الحاجة الماسة لدى كل مؤسسة وجهة وشركة أو مجموعة شركات، أن تنشئ إدارة خاصة تسمى "إدارة الأزمات" تضم القيادات التنفيذية والميدانية ومتخصص في الإعلام، على أن تتولى هذه الإدارة وضع سيناريوهات متعددة للأزمات المحتملة، وتعكف على صياغة حلول عملية، يمكن تنفيذها في أي وقت إذا ما وقعت أزمة لا قدّر الله.

إنَّ تجربة مثل الأنواء المناخية، ووجود مركز ولجان لإدارة الأزمة في عدد من المؤسسات ذات العلاقة، أكد نجاح التجربة، وكذلك الحال عندما ضربت جائحة كورونا البلاد، كانت هناك لجنة عليا تتولى مسؤولية إدارة الأزمة، وحققت الكثير من النجاحات.

إننا بحاجة لتعزيز تكاملية العمل المؤسسي، على أن يكون الإعلام جزءًا لا يتجزأ من إدارة الأزمة، لما يلعبه من دور في طمأنة المجتمع وقطع الطريق على مروجي الشائعات، ويتولى كذلك نشر البيانات الصحفية في حينها وفي أسرع وقت.

من هنا نكرر ونأمل أن تُجرى دراسة حول آليات تعزيز التواصل بين المؤسسات ووسائل الإعلام، فنحن في عام 2022 لا نقبل أن نسمع عبارات من المسؤولين مثل "ما علاقتكم بهذا الأمر؟" أو "لا أستطيع التحدث" أو "انتظروا بيانا رسميا" دون تحديد موعده أو آلية نشره، وغيرها من الردود الجاهزة والمُعلبة التي يطلقها المسؤولون في وجه الصحفيين.. إننا بحاجة إلى إعلام فاعل قادر على أداء دوره حسبما نصَّ عليه النظام الأساسي للدولة، وذلك لن يتحقق إلا بتغيُّر عقليات بعض المسؤولين الذين ما زالوا ينظرون إلى وسائل الإعلام نظرة ارتياب وقلق!