العقلُ لا الثَّناء.. يخدم الوطن!

 

حمد بن سالم العلوي

 

يُطربنا كثرة الثّناء، وقد يصرفنا عن الحذر والعمل بجد، ولا أقول هذا إنكارًا للثّناء بجملته، ولكن حتى لا ننسى أنفسنا إذا أُثني علينا، فنحن نفخر بمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) لنا كما أتى في الحديث الشريف، وذلك عندما أتاه أحد مندوبيه- عليه الصلاة والسلام- الذي أرسله إلى بعض أحياء العرب، يشكوهم إليه بأنهم سبوه وضربوه، فقال له قولته الكريمة المشهورة "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك"، وهذا هو نص الحديث الشريف الذي روي عن خير الأنام في مدح خُلُق وكرم أهل عُمان، حتى صار اليوم من أراد التزلف إلينا، يدخل إلينا من باب المدح والثناء.

ونحن من جانبنا نغضُّ الطرف عن هذا التزلف، ونسلّم إلى هذا المتزلف زمامنا، وذلك نظير بعض من هذا الكلام المُنمق، فيصول ويجول، ويسرح ويمرح بيننا، وإذا ما لاحت له فرصة العمر، اغتنمها، وهرب إلى غير رجعة، وخلَّف للعُماني- الطيب لدرجة السذاجة من البعض- المصائب والعثرات، وضرب أكفُّ الحسرة والندم.

إذن؛ على دولتنا الكريمة؛ أن تُؤهل الناشئة التأهيل المناسب، وفي الوقت المناسب أي في فترة الدراسة، وأن تعمل على تنمية العقول والقلوب، وتُقلل المساحة الرمادية في النفوس بالتعليم والمعرفة، بحيث يسهل على النَّاس معرفة الغث من السمين، والصالح من الطالح، وتقوِّي في الوجدان الإنساني حب الخير، ونبذ الشر، وأن تجعل للشخصية العُمانية تفردها وتميزها، اقتداءً بالآباء والأجداد. وإن مثل هذا الأمر قد لا يتأتّى اليوم بالسهولة المُعتادة، وذلك بعدما غيرنا مناهجنا الوطنية الرصينة، فحذفنا منها التربية الوطنية، والآيات القرآنية، والقصائد الوطنية المدعمة بالحماسة ومحفزات الوطنية والرجولة، واستبدلنا المواد القيّمة بثقافات دخيلة بعيدة عن قيمنا وتقاليدنا الوطيدة.

إذن؛ تدعو الحاجة- الآن- إلى الرجوع إلى مناهج الثمانينيات من القرن الماضي، وما قبلها، فهي مناهج غنية بالمعاني والقيم الرصينة، والثوابت لا تحتاج إلى تغيير، وإنما إلى تحسين وتطوير ونبذ الشوائب منها. أما التغيير والتحديث، فيجب أن ينصب على المواد العلمية وحدها، لا الأدبية والقِيَمية، وعلينا أن ندخل الكثير من العلوم الإنسانية في مناهجنا وتربيتنا للنشء، ونركّز على قيم السبّلة العُمانية التي نفقدها واقعًا اليوم، وقيمها ونظامها المنضبط، والمرصع بقيم الكرامة والشهامة، وعزة النفس، وإكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وإثارة الغير على الذات، وعندئذ لن يسهل على أصحاب الثقافات الغازية الولوج إلى عقول محصنة، وذلك بالبرامج الموجهة إلى  مجتمعاتنا عنوة، فاليوم إذا سرت في بعض المجمعات التجارية، سترى العجب العجاب من تقليد أعمى لما يرسل إليهم من غث بغيض، فسترى من يخرزون في الأذنين الخرز والحلق المتدلية، وقصات شعر تتقزز منها شويهات وغنيمات الراعي في الجبل والسهل، تقليد أعمى لأراذل سلوكيات الغرب.

لن تقوى نفسيات الناشئة، إلا إذا عرفوا الغث من السمين، ومن هُم؟ وما تاريخهم؟ وما قيمهم بين الشعوب والمجتمعات؟ وبالطبع التاريخ لا يُعدَّل ولا يلوَّن، ويُذكر كما هو؛ لأنه تاريخ ماضٍ. أما الحاضر المعاصر فهو تاريخ للمستقبل، فلا داعٍ لذكره الآن، لأنه شيء معاش ومعايش، فعلى سبيل المثال؛ يذكر في التاريخ القلاع العُمانية والحصون، أينما وجدت على الجغرافيا الإقليمية، وذلك للعلم والمعرفة، ولحفظ التاريخ كما هو، فهناك قلاع وحصون عُمانية في الساحل الغربي "دولة الإمارات العربية المتحدة حاليًا" وقلعة عرادة في البحرين، وقلاع وحصون في الرياض وغيرها من مناطق الخليج، وأفريقيا وجوادر بباكستان، وأينما وُجد تراث عُماني، فمثل هذا يُعطي قوة للشخصية العُمانية، واعتزازًا بالنفس، وكذلك تُذكر لهم الممالك العُمانية في أفريقيا وأشخاصها، وليس معنى هذا أننا نطمع في إعادة الماضي كما هو، ولا هو نواح وتباكٍ على الأطلال، ولكن تذكير بالأفضال العُمانية على التاريخ الإنساني.

والإنسان العُماني ما زال يُكن في نفسه الكثير من القيم الإنسانية العالية، التي يتميز بها كإنسان عُماني حصيف، ومن هذه القيم الرصينة: الأخلاق الحميدة، والكرم والشهامة، والشرف والأمانة، والنخوة وإغاثة الملهوف، وحبه للحق والعدل، والصبر والجلد، والحلم والرحمة، والعفة وعزة النفس، وبالطبع قد لا يتصف كل الناس بهذه الصفات كلها في وقت واحد، ولكنها كامنة في نفوس غالبية النَّاس، وقد تندثر وتنسى بمرور الزمن، وربما تطغى عليها المؤثرات الخارجية، وذلك نتيجة لتصادم الثقافات واختلاطها مع غيرها بعنف وقسوة، إن لم تتعهدها الدولة بالرعاية والتمكين، ووفق مناهج فاعلة ورصينة، وذلك مع الوضع في الاعتبار تقسيمات الجمهور إلى درجات متفاوتة بين القبول والرفض.

إنَّ عوامل النجاح في الحياة، تقوم على مبادئ واضحة، تُبنى على الحكمة والقيم، وهي موضحة من خلال العناصر التالية التي تساعد الأفراد على النجاح في حياتهم اليومية والمستقبلية، وهي تقوم على عناصر كثيرة تكمل بعضها بعضًا؛ فمن المهم أن يكون للإنسان شعار وهدف، وأن يتسلح بالمعرفة والثقة، وأن تحدوه الرغبة والقناعة في العمل، وأن يتصف بالشجاعة والتضحية، وأن يجنح إلى حب التعاون والتضامن مع غيره من أبناء جلدته، وأن يتسم بالصدق والأمانة، والشرف والوفاء، وأن يكون سلوكه منضبطا وواضحا، وأن يكون مطيعًا في حدود الاحترام المتبادل، وملتزمًا بالأعراف العُمانية القويمة، وأن يلتزم بالصفات التي تكسبه احترام وحب الآخرين من صفات الخُلُقْ الحميد، وأن يتمسك بالقيم والعادات الكريمة.

فهذه المجموعة من القيم الأصيلة لا يكتسبها الإنسان من وسائل التواصل الاجتماعي "مثل تويتر وواتساب"، وإنما عن طريق مدارس التربية والتعليم، والمناهج المعدة بحرص لهذه الغاية، وإلا صار حالنا من حال الرجل الآلي، فلا طعم ولا ذوق في التعامل مع الناس، وسنكون مثل اللبن منزوع الدسم، وإن هناك شيئا من هذا القبيل يحدث الآن للأسف الشديد، فصار الناس يقيمون الإنسان  بالمناصب والمصالح الشخصية، أو بقيم المال والثراء والجاه.

إنَّنا نرجو من حكومتنا الرشيدة أن تُعيدنا للتعامل بالعقول والقيم الإنسانية، لا القيمة المادية والمصلحية، وعلى وزارة التربية والتعليم، أن تضع التوجيهات السامية لصاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وذلك خلال لقاءاته السامية الميمونة بالمحافظين والولاة والشيوخ والرشداء والأعيان في طول البلاد وعرضها، عندما وجه- أعزه الله- بالاعتناء بالأبناء، وتعليمهم وتربيتهم، وتنشئتهم التنشئة الصالحة، وعدم تركهم في مهب العواصف العاتية القادمة من الخارج التي لا هدى لها ولا هداية إلا ما رحم الله.