خليفة بن عبيد المشايخي
يُعد بناء الدول الحديثة الشغل الشاغل للشعوب وقادتها المخلصين المحبين لأوطانهم، ويأخذ حيزًا كبيرًا من فكر واهتمام الكثير من المؤرخين والكُتَّاب، ومن المهتمين بالتاريخ ومتابعة الجهود الوطنية لأي بلد، وتدوين أحداثه وتطوراته، وما يجري في المنطقة والإقليم عمومًا، وما يحدث في مختلف البلدان صغيرها وكبيرها، حديثها وقديمها؛ وذلك لغرض التوثيق والمقارنة والتحليل وإجراء الدراسات.
وحينما تكون الأرض مجان والغبيراء، والمكان إقليم وبلد رجاله سلاطين عرب شم ونجب هم من نسب وأصل عربي، فإنِّه ليس بغريب أن يكتسي هذا البلد أمجادًا ومفاخرَ، ويزهو بمنحزات شتى في مختلف مناحي الحياة، ويكون دولة ذات حضارة وسيادة، ولها تاريخ قوي ضارب في القدم ومحل للريادة، وعريق في سجله الناصع بماضيه التليد وفن القيادة، ومشرف بالبطولات والتضحيات الجسيمة، وبحاضره الزاهر الواعد، الزاخر بالخير العميم، والمتنعم بالبركات، وبمستقبله الثري بالعهد الميمون، والغني بمكاسب الدولة الحديثة، واستقرار دائم ورعاية كريمة، وتنمية شاملة.
وصون كرامة الإنسان العماني ومكانته، وحفظ ماء وجهه وسعادته وهيبته من الذلة والمسكنة، وتوفير سبل العيش الكريم له بعزة وكرامة، كان محل سعي دؤوب من العاهلين الكبيرين السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- سدد الله على طريق الخير خطاه وأدامه لهذا الوطن ذخرًا وفخرًا، وقائدًا مؤيَدًا بنصره، محفوفًا برعايته وتوفيقه الدائم.
والأيام الماضية من عمر النهضة المتجددة، أكدت بما لا يدع مجالًا للشك، أن مساعي مولانا السلطان هيثم- أعزه الله- وحكمة جلالته وحنكة قيادته ونفاذ بصيرته ورؤيته، تتجلى على أرض الواقع يومًا بعد آخر؛ بما يُحقق للوطن وأبنائه الكرام البررة، تطلعاتهم الحالية، ورؤاهم وطموحاتهم المستقبلية، وبما يسعدهم ويبهجهم، وينتشلهم مما يعانونه من ضيق الحياة والحال، ومن ضنك المعيشة وما سار عليه المآل، فجاءت خلال شهر أغسطس المنصرم بشائر الخير تباعًا؛ إذ أصدر جلالة السلطان أوامره السامية الكريمة، للمجلس الأعلى للقضاء، وبالتنسيق مع وزارة المالية، وذلك بأن تسدد ديون 1169 حالةً من الحالات المستحقة على بعض أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، بمبلغ يصل إلى أكثر من مليونَي ريال عُماني، وإلغاء أوامر الحبس الصادرة بحقهم، ورفع كافّة الحجوزات عنهم. وكذلك الأوامر السامية التي جاءت بتوفير المستلزمات المدرسية وتغذية يومية للطلبة من فئتي أسر الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود.
إن أبناء عمان من مسندم إلى صلالة وممن شملتهم الأوامر السامية وغيرهم، ليرفعون أكف الضراعة إلى المولى جلَّت قدرته، أن يوفق جلالته لما فيه الخير لعمان ومن عليها، وأن يديم عليه الصحة والعافية والعمر المديد، وليس بغريب على جلالته هذه المكارم السخية، وهذا العطاء اللامحدود، وهذا الوقفة الأبوية والالتفاتة الحانية منه، كيف لا وهو دائم القرب من شعبه، مستطلعا حاجاتهم، ومتفقدا لأحوالهم.
وبهذا نقول إن جلالته ماضٍ في جعل العمانيين يعيشون مرحلة هنية سوية تشمل كل أرجاء الوطن، تستجيب لمتطلباتهم وحاجاتهم، وتتحقق فيها التنمية الشاملة لكافة مرافق الحياة، بما تقتضيه مسيرة البناء والإعمار وانتشار رقعتها، وبما يلبي حاجات المجتمع الأساسية، ويسود عمان الغالية التقدم والنماء.
عمان وهي تعيش اليوم حقبة حديثة وفترة متجددة، فإن اهتمام جلالته بأن يتمتع شعبه بحياة كريمة، ينعكس تدريجيا من خلال ما يتفضل به جلالته بين فينة وأخرى، من إصدار أوامره السامية، وما يتفضل به من مكرمات ودعم سخي، للبرامج والخطط الإنمائية التي تمس المواطن بصفة مباشرة، وتوجيهاته الكريمة المباشرة، بأن تكون كافة الجهود المبذولة، من أجل أن يكون الحاضر مزدهرا والمستقبل واعدا.
إنَّ حرص جلالة السلطان هيثم- أبقاه الله- لم يقتصر على تخفيض مديونيات البلد ومراجعة سياسات الشأن الداخلي فحسب، وإجراء بعض التعديلات والإصلاحات عليه، وجعل عمان تسير في خط تستفيد فيه من مواردها وثرواتها، وتفي باحتياجاتها والتزاماتها حاضرا ومستقبلًا؛ بل إن جلالته يؤكد بهذا العزم والتصميم على مواصلة المسيرة الخيرة، في جميع ميادين الحياة، متوكلا على الله جلَّ جلاله، ومعتمدا عليه قبلا وعلى قدرات الحكومة وتضافر جهود الجميع، بأن تكون الخطط تؤتي نتائجها وثمارها بحسب ما وضعت وأعد لها، ولنا في نظرته الصائبة للأمور خير معين ومرشد.
لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نرفع جزيل الشكر لجلالته، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فنقول لجلالته شكرا مولانا المعظم كثيرا وكبيرا وعاليا على ما تفضلت وقمت به، معاهدين جلالتكم أن نكون على الدوام حرسا رجالا حماة أوفياء، وجندا أشاوس أمناء، وحصنا حصينا ودرعا متينا لكم ولبلدنا عُمان، والله على ما نقول شهيد، ووفقكم الله فيما أنتم ساعون فيه وإليه، والله يحفظ المسيرة.