علي بن سالم كفيتان
في مستهل هذا المقال، نتقدم بأسمى آيات الشكر للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على توجيهاته السامية الكريمة، فيما يخص توفير المستلزمات المدرسية والتغذية لأبناء أسر الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، ولا شك أن تلك كانت لفتة كريمة من جلالته وتلمسًا أبويًا حانيًا لهذه الفئة، التي باتت تكابد ظروف العيش لأجل استمرار عجلة الحياة البسيطة؛ كتوفير المأوى والمأكل والملبس والالتزام بدفع الفواتير والاستحقاقات المرتبطة بغلاء المعيشة التي صاحبت الظروف الاقتصادية التي مرت بها السلطنة والعالم خلال الأعوام الماضية، وكل أملنا أن توضع التوجيهات السامية موضع التنفيذ بأقل قدر من الاشتراطات والحواجز التي باتت تحول دون بلوغ الغايات السامية من هذه التوجيهات.
ونحن على أعتاب عام دراسي جديد، نسجل لكل مُعلم ومعلمة عاد إلى عش المدرسة مبكرًا قبل أبنائه ليرسم خطة كفاح جديدة لعام قادم، متسلحًا باليقين المطلق بالله، وبأن ما يفعله هو استمرار لرسالة خير البرية سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فكم هي عظيمة رسالتكم، وكم هي جسيمة مهمتكم، فقد استودعتم أطفالًا صغارًا يبكون خلف أمهاتهم وآبائهم في الصفوف الأولى، تمسحون الدموع، وتواسون النفوس الصغيرة، وتغنون لهم، كي يسلكوا درب الحياة الطويل. إذ لا يُمكن نسيان معلمات الحلقة الأولى وجهادهن لترويض الطيور الغضة للانضباط والتركيز وتعلم الحروف الأولى، التي سوف تأخذهم بعيدًا.. لن ننسى كل معلمة أتت بابتسامة جميلة مُحملة بالهدايا والقلوب التي ستلصقها نياشينَ على صدور المبدعين الصغار.. لن ننسى كل موقف نبيل مع طفل منكسر الخاطر لفراقه لعشه المنزلي؛ فالجميع في هذا الوطن يقف إجلالًا وإكبارًا، لكنَّ ويحس بقدر المجهود الذي يبذل، فأنتن من يغرس البذرة الأولى التي سوف تحمل مشعل الأمل لعُمان.
وإلى بقية المجاهدين في ثغور العلم، من مُعلمين ومعلمات في الصحاري وفي قيعان الأودية وعلى تخوم الجبال، إليكم جميعًا باقات الود من كل أب وأم في عُمان الغالية؛ لنعيش معكم كل مراحل الكفاح، ونسجل لكم كل كلمات الثناء الجميل على ما تقومون به من عمل إنساني عظيم. فمنذ مطلع السبعينات وأنتم تتوالون جيلًا بعد جيل، عُمانيين وعربًا ومن دول شقيقة وصديقة، من أجل نشر العلم في كل شبر من عُمان. نحن في سلطنة الخير نُقدِّر كل ذلك ونثمِّنه لكل من رحل عن سلك التعليم أو ما زال بيننا يستقبل أفواجًا جديدة.
المدرسة هي بيت أفضل الذكريات، وموطن أفضل الأصدقاء والأصحاب، لا تضاهيها محطة في الحياة؛ فهي محطة القطار الأولى، التي تحن دومًا للعودة إليها مهما بلغ مالك وعظم منصبك، فكل مذكرات العظماء تبدأ من دكة المدرسة وزملاء الصف.
لا يُمكن لمالٍ أن يوفّي المُعلم حقه، ولهذا نجد أنفسنا ككتاب رأي معنيين بتذكير حكومتنا الرشيدة بأهمية مراجعة رواتب المعلمين والافراج عن ترقياتهم المستحقة؛ ففي الوقت الذي توجد فيه لوائح رواتب خاصة للهيئات الأكاديمية في الجامعات والكليات العامة والخاصة، وفي الوقت الذي تُفرد فيها لوائح مهنية كلائحة رواتب المؤسسات الصحية، نجد المعلمين والمعلمات يخضعون لنظام الخدمة المدنية الذي يساويهم بالوظائف العامة، وفي ذلك خطأ وجب تداركه، بإصدار لائحة رواتب خاصة بالمعلمين، تعمل على إنصافهم وتقدِّر جهودهم، وترفع من معنوياتهم.. فالمطلوب في هذه المرحلة، التركيز على الأجيال، في ظل منزلقات العولمة التي باتت تهدد البشرية، وخاصة في شقها الأخلاقي، وتعاظم الثورة المعلوماتية التي سرقت من الأب والأم والمعلم الكثير من الأدوات التي كانت تُستخدم لتطويع السلوك ونشر القيم، بعيدًا عن المؤثرات الصاخبة في عالم اليوم.
لا يمكن لمعلم بالأدوات التي يمتلكها اليوم، الصمود أمام كل هذه العواصف براتب زهيد وتأهيل متواضع، ولهذا فإنَّ إعادة النظر في أوضاع المعلمين ضرورة تقتضيها المرحلة، كي نضمن سلامة أبنائنا، وضمان تخريج أجيال لا تشكل عبئًا مهنيًا أو أخلاقيًا على الوطن، ولكي ننافس البشرية لبلوغ مرامي التطور والتحديث.. كل تلك المحطات المهمة تبدأ من عند المعلم الذي يستقبل الطالب من الصف الأول وحتى الصف الثاني عشر.
فهل نحن مستعدون لمنح المعلم مكانته التي تليق؟
لا شك أنَّ الإجابة "نعم"؛ إذ إنَّ اللفتات السامية الكريمة لمولانا جلالة السلطان- أبقاه الله- لقطاع التعليم تدفعنا للتفاؤل بما هو قادم.. وحفظ الله بلادي.