لا تزيد البحر جحلة

 

أحمد بن موسى البلوشي

من أسهل الأمور في هذا الزمان، ومع توفر الوسائل والأدوات التي تساعد على ذلك أن تصنع "من الحبة قبة"، بمعنى أن تخرج الأمور عن سياقها، ويتم تضخيمها بعيدًا عن معناها الحقيقي، وقد تُغيب الكثير من الحقائق، وكل هذا فقط يحتاج لمهارات قليلة، من أهمها أن تكون ثرثارًا وتجيد استخدام الكلمات والعبارات، وتستعطف الآخرين لهذه الثرثرة.

وجميع الأحداث والأخبار والمعلومات التي نسمعها قائمة على الفهم، وسوء الفهم، والكثير منِّا عندما يسمع حديثًا ما يستقبله ويفسره بطريقته الخاصة دون التأكد من المعلومات وصحتها؛ فقط ينتظر أي خبر ليبدأ بالثرثرة التي لا تجدي نفعًا، ولكن المنطق والعقل يتطلب منا دائمًا تحكيم الفهم، فليس كل ما تسمعه وتقرأه يتطلب منك أن تضع سيناريو للرد عليه، لا تؤخذ الأمور بهذه الطريقة، ودائمًا النظر للمواضيع والأمور يكون إيجابيا إذا كانت النظرة عامة وشاملة، والتأكد من كل الجوانب المتعلقة به. ولا بُد أن نعرف أنه لا توجد إيجابيات مطلقة، ولا يوجد كمال في أي  شيء، ومن الطبيعي أن يكون هناك بعض النقص والقصور، ولكن الجميع يسعى وبالتكاتف لسد هذا النقص والقصور. فلا تفكر كثيرًا ولا تشغل نفسك بأي طرح يطرح، فبعض الأمور تحتاج لها نظرة سريعة ودون توقف يقول الفيلسوف الألماني سيجموند فرويد: "التفكير الزائد في بعض الأمور التافهة يجعل منها مهمة، بينما لا يتطلب الأمر إلا نظرة سريعة".

كثيرًا ما تمر علينا كأشخاص أخبار ومعلومات مرور الكرام، دون أن نتعاطى معها بأي صورة أو طريقة، تبقى مجرد أخبار ومعلومات، ولكن هناك نوعية مختلفة من البشر لا تمر عليهم هذه الأخبار مرورًا عابرًا؛ بل يستمتعون بتضخيمها وتهويلها والتدقيق فيها بصورة غير منطقية ولا عقلانية، تكون قراءتهم للمعلومات والأرقام خاطئة، ينتقون ما يعجبهم من الخبر فقط، ويختارون العناوين التي تناسب أفكارهم والغريب في الأمر أن أغلب التهويل يكون سلبيا للغاية، ونظرة سوداوية للأمور، وينشر الإحباط واليأس والخوف في نفوس الآخرين، وهو لا يسهم في حل أي مشكلة بل يعتبر عائقا لها، وربما أحيانا يصنع أزمة حقيقية بالمجتمع؛ يصف الأطباء الشخص الذي يتصف بهذه الظاهرة بأنه "شخص يجعل الأمور الحادثة أسوأ وأصعب مما هي عليه، وقد تسبب هذه الحالة الاكتئاب لدى البعض".

إن تضخيم الأمور وتهويلها والمبالغة فيها مرض، يجب علينا أن نتعامل مع المعلومات والأخبار التي نسمعها بعقلانية وموضوعية، لا تعطي أي موضوع يمر عليك أكبر من حجمه، وتأكد أن هذا التهويل والتضخيم خطير يؤثر على بعض أفراد المجتمع يقول أحد الحكماء: "تضخيم الأمور التافهة لن يزيدك إلا تعبًا ومشقَّة، أعط كُل شيء قدره المناسب فإن أعطيته أكبر من حجمه صعب عليك التعامل معه".

تعليق عبر الفيس بوك