الموروث الشعبي والمناهج الدراسية

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

وسط تداعيات الحياة، وتغيراتها، وتحديثاتها التي لا تنتهي، ننسى خلفنا أمرًا مهمًا، وهو "العادات والتقاليد والإرث الشعبي" بشكل عام، ننسى تلك الذاكرة التي حفظت لنا شخصيتنا العمانية، وأعطت لهذا البلد خصوصيته، والذي تجلى في أعمال كتابية، ومادية، وحرفية كثيرة، وعظيمة، غير أن سيرورة الحياة لا تبقي للماضي أثرا، ففي كل يوم ننسى جزءا من هذه الذاكرة، وننشغل عنها بعادات وتقاليد جديدة، ونمط وسلوك حياتي لم يكن موجودا، وبذلك يفقد أي شعب شخصيته، وكينونته بعد حين، ويذوب في أتون عالم مُتغير لا يرحم، ولا يبقى للأخلاق مفرًا، حتى أصبح بعض الشباب لا يعرفون من "سمت" المجالس شيئًا، ولا يفقهون من أمر ماضيهم إلا ما هو مكتوب في كتبهم الدراسية الشحيحة في ما يتعلق بدراسة الموروث الشعبي المادي وغير المادي.

والحقية أن بعض الباحثين والأكاديميين قاموا بجمع الفنون الشعبية، والتحقيق في الموسيقى التقليدية العُمانية، وأكثرهم من غير العمانيين، واكتفى أصحاب الأرض بجمع الأشعار القديمة، ونشرها، بينما لم يقم أحد من الفريقين بجمع الموروث الشعبي اللساني، والمكاني، والمادي، وغير المادي، إلا ما ندر، وهذا يُشكل خطرًا على حفظ هذا التراث من الزوال والاندثار؛ بل إن ذلك يقطع صلة الوصل بين الماضي والحاضر في أذهان وذاكرة الجيل الشاب، وهو ما انتبهت إليه كثير من الدول، فضمنّت مناهجها الدراسية مادة لتعريف الدارسين بماضيهم الشعبي، وموروثهم الحضاري الذي هو أحد مكونات ومفردات أي شعب أصيل.

وأعتقد أنَّ الوقت قد حان لكي نضمّن الفنون التقليدية، والعادات والتقاليد، والموروث الشعبي مناهج الدراسة، لأنَّ ذلك يعتبر إضافة هامة للعقل والمعرفة الوطنية، فهذه الأعمال تعبّر عن واقع الشعب، وتزيد من ترابط الأجيال، وتعرّف الجيل الحالي الذي لا يعرف الكثير عن ماضيه "الشعبي" بالواقع الذي عاش فيه أجداده، وتوارثه آباؤه، وانقطع الأبناء عن حبل التواصل معه، لأسباب كثيرة، خاصة وسط هذه الهجمة العالمية الموتورة والمنظمة على كل ما هو تقليدي، وأخلاقي.

فالمعرفة ليست فقط فيما كتبه امرؤ القيس، والنابغة، والستالي (أبو بكر أحمد بن سعيد الخروصي)، وشعراء القصور والمناسبات، ولا في معرفة تاريخ الحضارات، والحروب، والفتوحات، ولا في علم الحاسوب والتكنولوجيا والعلوم الحديثة؛ بل المعرفة كذلك فيما كتبه أو قاله "ود وزير" و"سويري" و"المطوّع"، وفي تفاصيل الحياة اليومية لدى أهل الساحل، والجبل، ومُسميات الأدوات المستخدمة في الأعمال قديما، وتاريخ الناس البسطاء، وكفاحهم في الحقل، والبحر، وفي هذا الكم الهائل من الفنون والموروث الشعبي في كل بقعة من هذا الوطن العزيز، وفي تلك العادات والتقاليد والآداب الشعبية التي التصقت بحياة العامة البسيطة، والتي هي الجزء المهم والمنسيّ من معرفتنا الأدبية.

فليكن الأدب والموروث الشعبي التقليدي جزءًا من مناهجنا، ودراساتنا، ولنُحافظ عليه من الضياع والاندثار قبل فوات الأوان.