طالب المقبالي
شباب طموح كافح طوال 17 سنة من الدراسة في نظام التعليم العام، يضاف إليها 5 سنوات كأقل تقدير في الدراسة الجامعية ليصل إجمالي سنوات الدراسة اثنان وعشرين سنة... شباب يحدوهم الأمل الكبير ليكونوا بناة للوطن، ومن حملة راية المجد والعز والسلام... شباب كافح معهم ذووهم لتوفير المأوى والمأكل والمشرب، وتحملوا مصاريف وعناء الأسفار للإشراف على أولادهم في أماكن إقاماتهم خارج ولاياتهم.
فبعد خمس سنوات من الغربة في سبيل نيل العلم والمعرفة، ونيل الشهادة العلمية التي تتوج مسيرة الكفاح والمُعاناة، تبدأ مرحلة جديدة من الكفاح لنيل الجائزة الكبرى بعد هذا المشوار الطويل من الكفاح.
تتجه أنظار الطلاب الخريجين وأولياء أمورهم تجاه الإعلانات عن شواغر وظيفية في المجالات المختلفة، عسكرية وحكومية كانت أم أهلية خاصة، فوزارة العمل تصدر إعلانات لوظائف بعقود عمل لوظائف العمل الدائمة بدرجة مالية ومدرجة ضمن صندوق التقاعد ومدة العقد سنتين قابلة للتجديد، إلا أن الملتحقين بها لا يستطيعون الاقتراض من أي مؤسسة إقراضية لبناء منزل أو الزواج أو حتى شراء سيارة.
وأيضاً هناك عقود عمل مؤقتة غير معلوم أجلها، وغير واضحة المدة، فالشاب الذي بالطبيعة الفطرية يرغب في تكوين ذاته وشخصيته من خلال إيجاد وظيفة مُستقرة ليبني منزلاً، ثم يتزوج ويكون أسرة خاصة به فإنِّه لا يستطيع ذلك في كلا العقدين.
فالوظيفة المؤقتة هي مجرد مُسكن كما يصفها البعض، وليست حلًا لبناء المستقبل، فلو فرضنا شابا تعين في وظيفة مؤقتة وتزوج، وبعد إشعاره بانتهاء فترة عمله المؤقت، هل يُطلق زوجته لأنه أصبح بلا دخل؟!
والجانب الآخر من الوظائف التي تعلن عنها وزارة العمل تذهب إلى الأقدمية في العمر وتاريخ التخرج، فعلى سبيل المثال الذي أسوقه هنا عن وضع أعيشه في بيتي، فولدي خريج تقنية معلومات، تنافس لإحدى الوظائف التي عرضتها وزارة العمل، فتم اختيار شاب يبلغ من العمر 33 سنة وابني تخرج منذ 3 سنوات ويصغره سناً بثمان سنوات، فعمر ولدي 25 سنة، فهل يعني هذا أنه ينتظر 8 سنوات فوق الثلاث سنوات من تخرجه؟! وأما الجهات العسكرية فقد اشترطت العمر في توظيفها، فمن بلغ سن 25 سنة ليس له مكانة في الوظائف العسكرية.
ولم يتبقَ لدينا سوى شركات القطاع الخاص التي يشترط معظمها وجود خبرة تزيد عن 5 سنوات، فالخريج كيف يمكنه اجتياز هذا الشرط؟
لقد احتار أولادنا واحترنا معهم، فليس أمام أبنائنا إلا أن يعملوا في الوظائف والمهن المتدنية، وهذه الوظائف أيضاً غير متوفرة، ويشغل معظمها العامل الوافد، بينما هناك شواغر وفرص تشغلها العديد من العمالة الوافدة التي يمكن الاستغناء عنها ويتم تعمينها وتتناسب مع مؤهلات الخريجين العُمانيين.
فمن شدة حيرتي اقترحت على ولدي أن نشتري له كشكًا لبيع المشاكيك والهمبرجر في ولاية السيب كحل بديل وينسى أنه درس مجال تقنية المعلومات.
لم أكن أود التطرق إلى هذه الجزئية في مقالي، لكنني اضطررت لذكرها لأبين الحال الذي وصلنا إليه.
وقد توقفت كثيرًا مع عدد من هؤلاء الباعة وسألت عن الوظائف التي كان يشغلها آباؤهم، فلم أجد أحداً منهم يشغل والده منصبًا من المناصب الكبيرة، وإنما وجدتهم أبناء موظفين عاديين من أمثالنا، أما أولاد بعض المسؤولين الكبار فقد هيئت لعدد منهم الفرص لشغل الوظائف المرموقة، وتبقى المهن والوظائف الدنيا لأبنائنا وأبناء من هم في مستوانا من عامة الشعب، إلا من رحم الله.
هذا هو الحال الذي نعيشه في بلد انتعش اقتصاده، فإلى أين نحن ماضون؟!