من مفتاحه!

 

د خديجة بنت سليمان الشحية

Khadija82013@gmail.com

 

بسبب الانشغالات وقلة التواصل لم تعد الحياة تسعفنا لنتواصل مع كل من تربطنا بهم صلة صداقة أو قرابة، وتمضي السنون بكل محطاتها سواء لنا أو لغيرنا، وتبقى الذاكرة أمينة على كل من جمعتنا بهم فرصة دراسة أو تعارف ولا يغيبون عن بالنا، إلا أنهم يتشكلون عكس ما كنَّا نعرفهم ويتغيرون ليصبحوا نسخاً مختلفة لا نعرفها كما عهدناها سابقًا.

تواصلت معي بعد فترة من الزمن وبعد مرور عدة سنوات على آخر لقاء جمعني بها، لم نتواصل وسعدت لاتصالها وتبادلنا المستجدات التي حدثت معنا طيلة المدة التي لم نتواصل فيها ولعلمها ببيئة العمل التي أعمل بها سألتني عن (س) من النَّاس وأبلغتها بعدم معرفتي بهم فليس من الضروري أن أعرف كل من يعمل معي خاصة ونحن عدة جهات بوزارة واحدة، وهي تعلم علم اليقين أنني أختلف عنها كثيرا في أشياء عدة من بينها عدم التخالط في الوسط الذي أتواجد فيه ولست منفتحة كفاية مع الجميع أتحرك واختلط حسب متطلبات عملي فقط ولايتعدى ذلك للغرباء الذين لاتربطني بهم صلة تفاعل مهني، هي تعلم أنني لست ممن يفرض نفسه على الآخرين، لست انعزالية ولكني متحفظة بعض الشيء، بعدها وجهت لي سؤالا مفاده "من مفتاحه"، هل تعرفين؟ مفتاح..! كلمة غريبة عليّ، لم أسمعها من قبل أو لنقل لم استخدمها في تعاملاتي من قبل، فأجبتها مستغربة وهل هذا الشخص آلة ليكون له مفتاح، ظلت تقهقه عبر الأثير بدلًا من أن تشرح ذلك السؤال قالت لي "غشيمة، لأنك غشيمة ظللتِ في موقعك إلى اليوم". صدقًا، لم يعجبنِ حديثها وبادرتها بالانشغال وأقفلت عنها الخط؛ إذ لا أستأنس حديثًا من هذا النوع ولاتروقني تلك الصيغة التي خاطبتني بها، وكأنني قضيت حياتي على ذلك المنوال الذي تحياه هي مع متطلبات حياتها.

ما لغة التعامل بهذا المفتاح؟ ولماذا نحتاج إلى مفاتيح لنصل إلى من نود الوصول إليهم؟ هل لأنَّ العقول والقلوب والأبواب باتت مغلقة معهم ولا تفتح إلا لمن يريدون؟ يجوز احتمال ليس ببعيد عن الخطأ، أم لأنَّ هذا المفتاح الذي تقصده تختبئ وراءه أمورٌ خفية لا أعلمها ولا يعلمها البعض والذين يتعاملون بحسن النوايا ويعتقدون أن العالم الخارجي نقيًا بعض الشيء، وليس كما يصوره البعض ملوثًا وغير مهيأ. وعندما طرحت هذا السؤال على صديقة مقربة مني، أجابتني أن من تسأل عن مفاتيح الأشخاص قد تعودت على ذلك، وهذا مسلكها في إنجاز ما تود إنجازه وما تُريد الوصول إليه، بذلك هي تسهل على نفسها الصعود دون مُعاناة دون كلل أو إخفاق. وهؤلاء هم من يجدون كل شيء قد أعد لهم، قبل أن يصلوا للقمة ولمواقع السلطة.

لستُ مُستغربة لذلك، ولكني مستغربة من شيء واحد، ذلك أو تلك التي تستقبل هؤلاء المتسلقين ويضمونهم لطواقم العمل لديهم، كيف لمؤسساتهم بالتنافس والإجادة وسط مستنقع الهشاشة وعدم التجويد في كثير من الجوانب، أن يقربوا أشخاصا إليهم لا يتقنون غير الإهمال وضعف الأداء والاعتماد على الآخرين فيما يوكلون له بهم ولا يجيدون حتى إدارة الحوار ولا لغة التفاهم مع موظفيهم، ولا يتمتعون بالحضور وغير مفوهين كفاية ليمثلوا جهات أعمالهم، تجدهم مجرد شكل وكأنهم ديكور لا أكثر، يتتبعون مفاتيح مصالحهم هنا وهناك وينجزون مُخططاتهم دون تعطيل أو عرقلة وبكل يسر وسهولة ولا علاقة لهم بالكفاءة  أو التميز، هم هكذا إن جاز التعبير في وصفهم وللأسف "ولا ألومها من وصفتني بالغشامة".

إن هذا العالم الذي تدور فيه هي وغيرها من المتسلقين يلائمهم أكثر مني وخصص لهم وحدهم، فُصل على مقاسهم ونياتهم التي تجد لها بالمقابل من يشبهها، أرزاقنا ستصلنا لا محالة، تأخرت لأنها ستأتي أجمل حين يكرمنا الله بها، حتى وإن أصابنا الإحباط يوما وتذمرنا من المحيط شيئًا قليلًا، فهذا طبيعي فالإنسان عدو ما يجهل "وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ".