تسهيل الإجراءات (5)

 

أهمية وجود "المُراجِع السِّري"

د. صالح الفهدي

عجيبٌ أمرَ "بعض" الموظفين في المصالح الحكومية، فكأنهم لا مصالح لهم هم الآخرون في جهات أُخرى فيلاقون التعقيد في إنهاء إجراءاتهم كما يُلاقي الناس من التعقيد على أياديهم، فيشعرون بما يشعر من يتعاملُ معهم من المراجعين، كأنَّما هم من كوكبٍ آخر، أو وطنٍ آخر لا يدركون حجم معاناة النَّاس بسبب بطءٍ في الإجراءات، وتأخيرٍ في المعاملات، وتعقيدٍ في قضاء المصالح، وليٍّ للقوانين، وتعطيلٍ للمشاريع!

أنقلُ- بتصرُّف- عن أحد الإعلاميين تغريدةً، يقولُ فيها: "من طرائف المراجعة للدوائر الحكومية؛ وصلتُ ذات مرة لمكتب مؤسسة خدمية، فسألتُ الموظف: أين زميلك، فلديه معاملةً لي؟ أجابني: ولماذا جئتَ متأخرًا؟! قلت: لماذا، عساه خيرًا، لا يزال الوقت مبكرًا فنحن في الساعة العاشرة والنصف صباحًا، قال: ذهب زميلي لاصطحاب أهله إلى المستشفى، وعليك أن تأتي الأسبوع المقبل، في وقتٍ مبكِّر".

والقصص كثيرة تتساوقُ إليَّ ما إن يُنشَر لي مقالًا أو مقطعًا حول هذا الموضوع، وكلَّها قصص تدور حول محور واحد؛ التأخير في إنجاز المعاملات، والبطء في قضاء المصالح، وتعقيدات لا طائلَ من ورائها، وطلبات لا حدود لها.

ولكي يكون رئيس الوحدة أو صانع القرار الأعلى على اطّلاع مستمر لما يدور في المصالح الحكومية بغية التقويم، والإصلاح، والتحسين، فإنه لا يجب أن يتلقَّى المعلومة من أصحابِ الشأنِ أنفسهم فقط لأنهم– وهذا أمر بديهي مع أنه ليس منطقي– لن يكشفوا الأخطاء؛ بل إنهم يظهرون محاسنهم، ويخفون مساوئهم. وهُنا على صاحب القرار- في كلِّ المستويات- أن يستعين بما يسمَّى بـ"المتسوِّق السرِّي" أو بما أُسمِّيهِ هُنا بـ"المراجِع السري" حتى لا يُقْرَن الاسم الأول بالتسوَّق؛ بل الأجدى بالمراجعة في قضاء المصالح في الجهات الخدمية الحكومية خاصةً، وأستعينُ مرَّةً أخرى بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة بهذا المصدر الذي يرفد صانع القرار بما يدور في المصالح الحكومية، وينقلُ إليه الصورة العامة حول أدائها وسلوكيات موظفيها نحو المراجعين. كما إن "المراجع السري" لا ينقل المساوئ ولا يكشف عن المعوقات، وإنما ينقلُ لصاحب القرار الإيجابيات المتعلقة ببعض المسؤولين الذين يراقبُهم عن بعد، ويصنعهم دون أن يشعروا ليكون من قيادات الوطن، وقد تبوأ من هؤلاء وزراء لم يكونوا يعلمون أنهم كانوا تحت مجهر "المتسوَّق السري" كما يُسمَّى في دول أخرى، وهؤلاء الكفاءات لم يكونوا بحاجة إلى علاقات أو تدخُّلات أو محاباة من فلانٍ وعلَّان، وإنما رفعتهم كفاءتهم، وأعلتهم قدراتهم مع مراقبةٍ مستمرةٍ من صانع القرار.

"المُراجِع السري" مهمٌ للحكومة كي ينقل إلى صنَّاع القرار فيها ما يدور في أروقة المصالح الحكومية ليقوموا بدورهم في إصلاح الوضع الذي شابه التعقيد في المصالح، والبطءِ في قضاء المعاملات، والتأخير في الإنجاز، مما أضرَّ بالناس والوطن. يقول الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الوزراء، حاكم دبي "أقول لجميع من في الحكومة، سنكرِّم المتميزين، ونتابع المقصِّرين، ولن يمرَّ شيء دون متابعة بكل شفافية"، والشيخ محمد بن راشد هو صاحبُ المبادرات الحكومية الإصلاحية لتسهيل الإجراءات ومنها مبادرة "المتسوَّق السري"، الذي يجب أن يتميَّز بعدَّة صفات، ويناط عليه بعض الواجبات المحددة، أقتبسُ منها من موقع "المتسوق السري" لدولة الإمارات العربية المتحدة، الآتي:

  • أن يملك شغف التطوير والحرص على المصلحة العامة.
  • متابعة ورصد الممارسات العامة وكيفية تقديم الخدمات بما يتناسب مع التوجهات العامة للدولة.
  •  رصد الممارسات المهنية الإيجابية والمتميزة.
  •  رصد الممارسات والوقائع غير اللائقة بمجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة سواء في كيفية تقديم الخدمات أو جاهزية المرافق العامة أو كيفية التعامل أو غيرها.

إذن فالمتسوِّق السري، أو المراجع السري– كما أسلفت- لا يرصد الممارسات السلبية وإنما أيضًا يرصد الممارسات الإيجابية المتميزة، لكي يكافأ أصحابها، ويحفَّزون على أدائهم المتميِّز.

إن أهمية وجود "المُراجِع السري" يكمنُ في تشخيص العلل في كل وحدةٍ، ودائرة تقوم بأداء المصلحة الحكومية، فحيثما يكون التعطيل والتأجيل والإبطاء يتم إصلاحه، وحيثما يكون التكاسل والإهمال يكون تقويمه، وحيثما يكون التعقيد والتعجيز يكون تسهيله، وهكذا يقضى على البيروقراطية المتوغلة في بعض المصالح الخدمية من أجل تحريك مصالح الناس، التي تعني مصالح الوطن عامة.