"يا غريب كن أديب"

 

مسعود الحمداني

samaawat2004@live.com

 

نحتاجُ إلى السياحة كدخلٍ اقتصادي، نحتاج إليها كمضمون ثقافي وتاريخي، نحتاج إليها كونها مفردة لا غنى عنها في دورة الاقتصاد، ولا محيص عنها في دولة كثيرة الموارد، ومتعددة المشاهد، غير أننا نريدها سياحة منضبطة، لا منفلتة، سياحة ذات أبعاد لا تتعدى عادات المجتمع وتقاليده وأعرافه، ولا تتحدى ثوابته، ولا تتجاوز مرتكزاته؛ لأن خلاف ذلك يجعل البلد مجرد وجهة للفوضى، ومحلا للغوغائية الفجّة، وبذلك نفقد أهم ما تملكه الأوطان وهي: القيم والمثل الاجتماعية العليا التي تتوارثها الأجيال، وتتناقلها عبر الأزمان.

وفي "خريف صلالة" الذي لا يتعدى الثلاثة أشهر سنويًا- على أكثر تقدير- اشتغل الناس خلال الفترة الماضية ببعض التفاهات، وتحلقوا حول بعض التصرفات الفردية، والتي كادت أن تتحول إلى ظاهرة عامة يمكن أن تصاحب "فعاليات" الخريف خلال المواسم القادمة، وتحولت أنظار السياح من الاستمتاع بمناظر الجمال الظفاري الساحر، إلى تلك الممارسات الصبيانية، وكادت الفرحة والبهجة أن تتحول إلى مستويات أعلى، لولا تدخل العقلاء، وإنهاء تلك المسرحية الهزلية، التي كادت أن تؤثر على سمعة شعب بأكمله، بسبب عدم فهم البعض للأبعاد الاجتماعية لما يفعلونه، وتعمّد الطرف الآخر اللعب على وتر النفوس الجائعة للمال.. عمومًا انتهت المهزلة، والتي لا أتمنى أن تعود كممارسة في المواسم القادمة.

فالسياحة التي نريدها، هي تلك السياحة التي تضيف للبلد قيمة نوعية، من حيث المعرفة والتعارف والاختلاط بالشعوب الأخرى، وكذلك من الناحية التجارية التي هي ركيزة أخرى لأبناء محافظة ظفار، فليس عيبًا أن تزيد إيجارات السكن بشكل معقول، وليس سيئًا أن ترتفع أسعار "السلع السياحية" أو التذكارات التقليدية التي يحملها السياح معهم لتوزيعها كهدايا لأقاربهم في بلدانهم؛ فالسياحة الموسمية فرصة للكسب في كل دول العالم، ولكن دون استغلال للسائح، ودون إفراط في التكسب، كما إنه ليس من المعيب أن يقضي الجميع أوقاتًا سعيدة في الطرب واللهو، أو التجمعات الشبابية، ولكن دون إسفاف، ودون إزعاج للآخرين، ودون تنازلٍ عن القيم الأصيلة.

قد يتعارض ما ذكرته آنفًا مع السياحة المفتوحة التي يريدها البعض، ولكنه بالتأكيد لا يتعارض مع ثوابت المجتمع وركائزه الدينية، والثقافية؛ فالبعض يرى أن السياحة تعني الانفتاح على كل شيء دون قيود أو شروط، والتنازل عن كل ما يحقق البهجة والسعادة للسائح، ونسي هؤلاء أن هناك دولًا تقوم سياحتها على الانضباط الأخلاقي في الأماكن العامة خاصة، ورغم ذلك يتوجه إليها سنويًا ملايين الزوار ولم يمتعض أحد منهم، لأنهم يعرفون قوانين البلاد، ويحترمون ضوابطها السياحية، ويتقيدون بقوانينها، وهذا هو الذي نريد تحقيقه في بلادنا الجميلة، فالسياحة المنفلتة التي تأتي على حساب الأخلاق والقيم المجتمعية لا نحتاج إليها، ولا نسعى لها، فتجاوز عادات وتقاليد وموروثات أي بلد والتقليل من شأنها، والدوس على قوانينها باسم السياحة، بمثابة إهانة لذلك البلد، ولشعبه.

وفي الختام.. مرحبًا بالسياح من كل دول العالم في خريف صلالة، وفي أي موسم، ولأي غرض سياحي يأتون لأجله، ولكن ضمن ثوابت، وركائز هذا الوطن، وعاداته، وتقاليده، وضمن قوانينه وتشريعاته، والتي لا يمكن تعطيلها لأجل عيون موسمٍ سياحي معيّن، ثم تفعيلها بعد انتهاء فعالياته، فالقانون هو القانون لا يُجزّأ، ولا يُعطّل إلا ضمن ما أجازه القانون نفسه، وكما يقول المثل العماني "يا غريب، كن أديب".