ثروة في صندوق القمامة!

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

من الغريب أن نشاهد النفايات متوزعة في كل أرض فضاء، أو الأودية، أو بالقرب من حاويات النفايات لا داخلها، وتتنوّع النفايات بين مخلّفات بناء، وأشجار، وأثاث قديم، ونفايات صناعية كسيارات، وحديد، وزجاج غيرها، لأيام وأحيانًا لأسابيع دون أية مُعالجة، وإن بادرت بالتواصل مع الجهات المعنية، فإنَّ البيروقراطية تأخذ مجراها لأسباب كثيرة لا أعلمها، وتتكرر المشكلة حتى بعد الإزالة.

لماذا أصبحنا نُشاهد مناظر النفايات المبعثرة أكثر من ذي قبل؟ هل هناك تغير في سياسات إدارة النفايات من قبل الجهات المعنية بالموضوع؟ أم يوجد خلل في ثقافة بعض النَّاس الذين يعتقدون أن يمكن لأثاث القديم أن يقبع في صندوق النفايات المخصصة أصلاً للنفايات المنزلية البسيطة؟ أو في ناقلي نفايات البناء الذين يفضلون إلقاء النفايات، في أقرب نقطة تقليلا للنفقات، أو قلّة وعي بالطرق المثلى للتخلص من هذا النوع من النفايات، وأماكن تصريفها أو غياب العقوبات الرادعة.

ناهيك عن النفايات التي أصبحت جزءًا من المناظر الطبيعية للمواقع السياحية، فالجبال، والأودية والشواطئ لم تسلم من العبث، يا ترى ماذا يُمكن أن يحدث لو تمَّ تكثيف البرامج السياحية، وزاد عدد السكان؟ يمكنكم أن تتخيلوا.

إن سوء إدارة النفايات لا يضر البيئة فقط؛ بل صحة الإنسان كذلك، ويهدّد كوكب الأرض، ولعل مشكلة جنون المناخ والاحتباس الحراري، أصبحت تهدد مستقبل البشرية وهي مشكلة صنعها الإنسان.

قد لا يعي البعض أنَّ تراكم النفايات، تعني مياها وتربة وهواءً ملوثاً،وإننا نحن كبشر نتضرّر في الأول والأخير، وبضاعتنا قد تُرد إلينا بأمراض مستعصية يصعب علاجها، ومياه لا يُمكن شربها، ومدن قد نضطر لهجرتها.. وذلك ليست نظرة تشاؤمية؛ بل توقع للمستقبل القريب في ظل تردٍ في أسلوب إدارة النفايات.

لا أعتقد أني أبالغ إذا قلت إنَّ الجميع يدرك المشكلة، من الأفراد إلى المؤسسات، لكن المسألة تتوقف عند نقطة الإدراك ولا تتجاوزها؛ فالمناظر أصبحت مزعجة، فنحن من أوائل الدول، التي أولت اهتماما بسلامة البيئة ونظافتها، وكان يضرب المثل في جمالية مدننا وقرانا.

من الضروري البحث عن أسباب المشكلة، لأنها إن لم تجد المعالجة المناسبة في وقتها، قد نعاني بعد أعوام من مشكلة النفايات، كما حدث لدول كثيرة، ولعل قصة انهيار جبل النفايات بالصين عام 2015 الذي تسبب في مقتل أناس أبرياء، من الأحداث التي تستحق أن نقف عندها  تجارب كثيرة من حولنا حتى للدول الفقيرة والنامية استطاعت أن تعالج مشكلة النفايات من أجل بيئة أكثر استدامة.

النفايات ليست مُجرد جمع القمامة؛ بل اقتصاد في حد ذاته، فهناك تجارة نشطة منتشرة في العالم، وأسواق متخصصة لبيع الخردوات، والمواد المستعملة كالأثاث والملابس، ومخلفات البناء، والزجاج والسيارات... وغيرها، فكل شيء يمكن بيعه والاستفادة منه مرة أخرى، التالف منه يتم إعادة تدويره والجيد يتم معالجته لإعادة البيع.

من الضروري أن نُغير فكرتنا عن النفايات، من عبء لا طائل منه إلى ثروة تدير أموال، فتدوير النفايات يعد اقتصادا ناجحا، مع التطور العلمي الذي ساهم في تطوير آليات التدوير، وقلل من تكلفتها. فالدراسات الاقتصادية تشير إلى أن الدول قد تخسر مليارات سنوياً بإهمالها اقتصاد التدوير والاقتصاد الدائري الذي يقلل الهدر.

إنَّ الهدر وزيادة نمط الاستهلاك، سبب في زيادة نسب النفايات، فقد توقع البنك الدولي زيادة في نسب النفايات إلى ما يقارب 70% بحلول عام 2050.

ولا بُد من مُعالجة مسألة إدارة النفايات بكافة أنواعها؛ لأن الواقع الحالي غير مطمئن ولا يُحقق الهدف؛ فالنجاح يعني مدنًا وقرى بلا نفايات أو بأقل قدر منها.

إنَّ الأسرة هي المعلم الأول لسلوكياتنا، فيما بعد فإذا تولى كل فرد تنظيف حول بيته، وتحمل مسؤولية نفاياته، وتخلص منها بالأسلوب الصحيح لم نكن نعاني من مشكلة النفايات، فالوعي بأهمية نظافة البيئة يجب أن لا يقل عن اهتمامنا بمظهرنا الخارجي.

والوعي بالمشكلة نصف الحل، وهذا ما أثبته سكان بلدة كاميكاتسو اليابانية، بتغيير واقعهم، بعد أن امتلأت بلدتهم بالنفايات، فقرروا بناء مجتمع خال من النفايات، في البداية كانوا يحرقون النفايات، وبسبب الأضرار البيئية اتخذوا قرارا أكثر صعوبة، بفرز النفايات ونقلها إلى مصنع التدوير، لا توجد حاويات قمامة في البلدة ولا شاحنات النقل فالسكان هم من يتولون نقل نفاياتهم.

أما الأغراض الصالحة للاستخدام، كالملابس والإكسسورات الزائدة عن الحاجة، فيتم بيعها في متجر للأغراض المُستعملة.

التجربة كانت شاقة بالنسبة للسكان في البداية، إلّا أنهم أصبحوا مع مرور الوقت يُعيدون تدوير ما يُقارب 80% من النفايات، وتحوّل الأمر إلى نمط حياة وبلدة شبه خالية من النفايات. واستطاعت الصين أن ترفع الوعي بتدوير النفايات من خلال صناعة آلة تشتري منك النفايات كالعلب الفارغة، الورق والزجاجات البلاستيك وفق تعرفة محددة لتشجيع الناس على التخلص من نفاياتهم بالطريقة السليمة، بحيث لا يشكل ضغطاً على مؤسسات بعينها.

إننا بحاجة إلى تغيير نمط الاستهلاك والتعامل مع نفاياتنا بطرق حديثة يتحمل فيها كل فرد مسؤولية نظافة بيئته، ورفع مستوى الوعي بالمشكلة، ووضع سياسات وقوانين تمنع الهدر والاستهلاك غير الرشيد.. لماذا لا يتم توزيع حاويات النفايات أمام كل منزل لتتولى كل أسرة فرز نفاياتها وتسليمها لجامع النفايات بموعد محدد يومياً، وتوفير أجهزة شراء النفايات في المدن والقرى لرفع مستوى الوعي بالنظافة. لماذا لا تكون هناك شرطة بيئية لمخالفة المتجاوزين، في الأماكن العامة، إذا كانت لغة العقوبات هي اللغة التي قد يفهمها البعض.

إنَّ التفكير بطريقة مبتكرة، قد تُعالج الكثير من المشكلات التقليدية،لا أن نستسلم أمامها، ونُكرر نفس الحلول التي باتت مستهلكة.