هوس التصوير يقتلنا

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

الصورة معنا في عالم الإعلام لها أهميتها الكبيرة، بل تغني في كثير من الأحيان عن ألف كلمة، وهي وسيلة اتصال فعالة، ولها مكانة وحيز مهم في الجانب الخبري، وكان أكثر من يهتم بالتصوير هم هواة التصوير والإعلاميون، ومع ظهور الهواتف بدأ عالم آخر من عوالم التصوير، وبدأت شركات تصنيع الهواتف تركز على إدخال مميزات متطورة للكاميرا الموجودة بالهاتف، وأصبح سعر الهاتف يعتمد على المميزات التي تميز الكاميرا، وساعد هذا ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وما أحدثته من ثورة في مجال الفلاتر وتحسين الصورة وتغيير صفاتها، ومن هنا بدأ هوس التصوير وزيادة الاهتمام بالصورة.

ومع إيماننا العميق بأنَّ التطور التقني والتقدم الحياتي في مختلف الجوانب لا يمكن أن يعود إلى الوراء، إلا أننا كبشر وهبنا الله عقولا نفكر بها، ونستطيع تمييز ما يضرنا وما ينفعنا، والاستفادة من هذه التقنيات الرائعة فيما يعود علينا بالنفع والخير لنا ولأسرنا وعوائلنا وبلداننا؛ فالصورة قد تقدم وجها مشرقا وإيجابيا وتؤدي إلى نتائج طيبة، وقد تقدم وجها سيئا ومظلما وسلبيا وتؤثر تأثيرا فاعلا في حياتنا وحياة غيرنا، وقد تؤدي بنا إلى عواقب لا تحمد عقباها ولم نحسب لها حسابا.

وإن ما يحدث في الآونة الماضية من هوس التصوير قد أدى لوفاة أشخاص وهدم أسر وتعذيب قلوب أمهات وأرواح آباء، إنَّ تعريض النفس البشرية للإيذاء من أجل التقاط صورة هو هوس غير مبرر، ويخالف كل التعاليم الإسلامية وكل القوانين البشرية، بل رأينا التعاميم الصادرة من الجهات المعنية بتغليظ العقوبة على من يعرض نفسه أو غيره للخطر كالدخول في مجاري الأودية لأجل التصوير والمدح والشهرة أو التصوير على حواف الجبال والمنحدرات الخطيرة، ولم تصدر هذه التعاميم وبهذه اللهجة القوية إلا بعد تكرار هذه الأفعال الخطيرة التي أدت لوفاة العشرات من المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة.

لقد أدى هوس التصوير المبالغ فيه إلى ظهور الكثير من السلبيات؛ حيث لم تعد للبيوت حرمة؛ فالكل يصور وينشر بداية من الوجبات الغذائية مرورا بالملابس والزينة، وظهرت أنصاف الأرجل والأيادي والوجوه في تعدٍّ صارخ على الدين الإسلامي وقيم المجتمع وعاداته وتقاليده، وزاد الطين بلة هوس التصوير في المواقع الخطرة والتي قتلتنا عشرات المرات ونحن نشاهدها، وقد صُوِّرت من جميع الاتجاهات، ناهيكم عن التعدي على حرمة الأموات بتصويرها ونشرها دون احترام لمشاعر ولا إحساس بقيمة الإنسان الذي حرَّمت الشرائع السماوية كلها دمه وماله وعرضه؛ سواء في حياته أو بعد مماته.

لقد جرَّمت القوانين الدولية والمحلية التعدي على حرية الآخرين وخصوصياتهم؛ فجرمت تصويرهم ولكن هوس التصوير لم يجعل لهذه القوانين والتشريعات تقديرًا واحترامًا، وحرَّمت وجرَّمت كل الشرائع والأنظمة والقوانين قتل النفس بأي طريقة كانت، إلا أنَّ هوس التصوير لم يجعل لهذا الأمر شأنا، ولم يحسب له حسابا، فرأينا من يتحدى الوادي سواء بالسيارة أو بصورة فردية أو جماعية، ورأينا من يقدم حركات بهلوانية على حواف الأسطح ليسقط طريحا، وظهرت حركات وأساليب واختراعات خطيرة من أجل صورة.

حياتكم أغلى من صورة، وتتعزز أخلاقكم بابتعادكم عن خصوصيات الآخرين، وأغلى ما في هذه الحياة أرواحكم فحافظوا عليها، اجعلوا لصوركم تاريخا جميلا ترجعون إليه بعد سنوات وتجدونها بذات الجمال، وثقوا لحظاتكم الرائعة والمفعمة بالحب والجمال واتركوا لخيالكم تسجيل أوقاتكم السعيدة والمبهجة، ولا يدخلكم هوس التصوير إلى قتل أنفسكم وتعريضها للخطر وتشويه بلدانكم وطمس أخلاقكم... ودمتم ودامت عمان بخير.