منى بنت حمد البلوشية
هُناك من يُهاجر للجنوب من أجل الخريف وقضاء أوقات ممتعة بها، وهناك من قضاها بين ربوع ولايته وهي بين زخات المطر وكأن الخريف يقاسمها من جماله الخلاب وهوائه المنعش، وأصبحت متنفسا وملاذا لهم من كل عناء أصابهم فيما مضى وترويحا للنفوس والتأمل في ملكوت الكون.
أما أنا، فكانت لمسة حب من أمي كافية لأن تزيل مني كل تعب أصابني ، وتحت زخات المطر وبعد أن كانت تطمئن عليّ وأنا بالمستشفى ووصلها خبر بأنني سأمكث عدة أيام هناك شعرت بالضيق ووصلني شعورها، فكيف لي أن أفسد أجواء المطر وجماله وأنفاسه عليها، وكل قطرة مطر أنادي بها أمي حبيبة قلبي، فعدت للبيت بعد أن طلبت الرخصة لأجلها دون علمها وبعد أن تفاجأت بمجيئي للبيت واستقبلتني بكلتا يديها، وأنا بين أحضانها دون أن تصدق وجودي أمامها قائلة: "نوّر البيت بوجودك وكأن غيابكِ عنا كان شهر".
وبين أحضان الجنة التي هي أمي ولمسة حبها وحنانها، تلمست قلبها وكيف هو يرتجف متطايرا فرحا وأنا بخوف عليها بعد أن أختبأت لمفاجأتها، تخيَّلوا تلك اللحظة وكيف أصبحت، وكأن الحياة كلها بين أيديكم وفرحة أغلى الأحبة بوجودكم بينها.
وفي اللحظة التي خرجتُ منها من المستشفى، استنشقتُ عبق رائحة المطر وسيمفونية الحب وجماله، التفتُ يمنة ويسرة فلولا أولئك البشر وهم يدخلون ويخرجون لجلست تحت المطر من شدة فرحي واستمتاعي به، وأنه الشفاء لي من كل ألم، وأن كل لحظة لا تعوض وأمُت بين أنين الوجع، عندها وجدت بأن الشفاء بيدي وهو الجزء الذي عليّ أن أبدأ به.
توقَّف أبي قليلا لينتظرني وهو يرافقني دون أن يمنعني من التقاط الصور لتلك اللحظات الجميلة، والتي لا أستطيع أن أفرط بها وفرحتي بعدم المكوث بالمستشفى وأنا التي كنت أنظر للنافذة من خلف الطبيبة التي كانت تجلس أمامها وأتخيل منظري، وأنا أشاهد المطر فقط من خلف تلك النافذة، وأنا التي لا تفوت تلك اللحظات السعيدة أبدا.
هكذا نحن مهما كبرنا، نظل صغارا في أعين والدينا ومن يحبنا بصدق، فلمسة حب تحت زخات المطر كافية لشفائك من كل ألم وتعب، فلنخلق أيامنا السعيدة بأيدينا، ولا نفرط بها.. فكل لحظة سعيدة تمضي لا تعود.