"بيئة" من أجل البيئة

سالم الكثيري

تعدُّ سلطنة عُمان من أوائل الدول العربية التي أولت البيئة اهتماما خاصا منذ بدايتها كدولة حديثة، وقد تطور هذا الأمر بإنشاء وزارات تُعنى بالبيئة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تختلف مسمياتها باختلاف المرحلة، ويعتبر قرار إنشاء شركة بيئة التي تعتبر الجهة المسؤولة عن إدارة النفايات الصلبة في سلطنة عُمان، إحدى أهم نتائج هذا الاهتمام، وقد عزَّز هذا التوجه الرسمي للدولة البُعد المتأصل لدى المجتمع العماني في الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها.

وبالتزامن مع موسم الخريف، أطلقت "بيئة" -وبالتعاون مع بلدية ظفار- حملتها التوعوية التي تُعتبر استكمالا لحملة "عُمان تستاهل"، والتي انطلقت منذ العام 2019 في مختلف محافظات السلطنة بشكل عام، وتهدف إلى الحد من الرمي العشوائي للمخلفات، والتقليل من السلوكيات الخاطئة المُضرة بالبيئة.

وتتضمَّن الحملة العديد من الرسائل التوعوية العامة، إلى جانب البرامج التفاعلية والمناشط المختلفة التي تُقدمها الوحدة المتنقلة في المواقع السياحية، وقد ابتكرت "بيئة" هذه المرة فكرة مبتكرة تستحق التقدير فيما يعرف بمفهوم "معززات السلوك"؛ وذلك بتوزيع حاويات متنقلة ذات حجم مناسب للرحلات يمكن إعادة استخدامها لأكثر من مرة في المواقع السياحية الأكثر ارتيادا من قبل السائح؛ مثل: دربات وأرزات وجرزيز وغيرها.

إضافة إلى التفاعل المباشر مع الكبار، الذي أخذ يحقق تجاوبا سريعًا على أرض الواقع بحسب مصادر "بيئة"، كما أنَّ الحملة تركز بشكل خاص على الأطفال بين 6-12 سنة من خلال عدد من الفعاليات المبتكرة التي تجذب الطفل، وتعمل على غرس المفاهيم البيئية في أجيال المستقبل كالأجهزة المطورة ومدينة "هنا المستقبل" في سهل أتين، وهي عبارة عن محطات يتعلم فيها الطفل معنى الاقتصاد الدائري والاستدامة. وتعد مثل هذه البرامج التي تُعنى بالطفل بمثابة تطبيق عملي لرؤية بيئة التي تنص على عبارة "نصون عُماننا الجميلة"، والتي تولي النشء اهتماما خاصا؛ كونهم الجيل الذي سيقود المرحلة لاحقا، وهذا توجه يحسب للقائمين على الأمر بلا شك.

لقد وُفِّقت "بيئة" في اختيار توقيت الحملة إلى حدٍ كبير؛ وذلك أن نهاية شهر يوليو إلى أغسطس هي فترة الذروة لزوار محافظة ظفار؛ حيث إنَّ وجود مثل هذه الرسائل التوعوية وبطرق مبتكرة وتفاعلية مع السائح مباشرة سيكون لها الأثر الإيجابي في الوعي البيئي على مستوى الفرد والمجتمع، خاصة لما تتعرض له الكثير من المواقع الطبيعية من تجاوزات من قلة غير مسؤولة كقيادة المركبات على المسطحات الخضراء والأعشاب الطبيعية وإشعال النَّار في جذوع الأشجار ورمي النفايات بشكل عشوائي في السهول والجبال والعيون المائية.

وهكذا فإنَّ الأسطول الأخضر لشاحنات "بيئة" الذي يجوب عُمان يتحرك على المسار الصحيح، ليُحقق آمالنا في المساهمة في الاقتصاد الأخضر، وأنَّ إدارة النفايات في السلطنة باتت مفهوما حديثا متوافقا مع تحديات العصر، فلم تعد مسألة التخلص منها هي الغاية بحد ذاتها بل أصبحت وسيلة لإنتاجها مرة أخرى؛ بحيث يتم تصنيف هذه النفايات حسب نوعيتها وخطورتها، ثم فرزها في المرادم الهندسية لإعادة إنتاجها في صناعات أخرى وفقاً لما يتطابق مع الاقتصاد الدائري؛ وذلك بالاستناد إلى الدراسات والبحوث العلمية، ومن الأمثلة على ذلك: مشروع مصنع الغاز الحيوي المستخرج من النفايات العضوية، والذي أجرته "بيئة" مع جامعة السلطان قابوس، ومشروع استخراج الوقود من الإطارات القديمة، ومشروع إعادة تدوير بطاريات الرصاص الحمضية...وغيرها من المشاريع؛ حيث يعد "هدف المساهمة في إحياء الاقتصاد وتحسين إنتاجية الموارد والحد من الأضرار البيئية أحد الأهداف الإستراتيجية للشركة"، وقد حصلت "بيئة" على عدة جوائز تؤكد تميزها وريادتها في هذا الحقل؛ منها على سبيل المثال: جائزة الشرق الأوسط للنفايات وإعادة التدوير عن أفضل ممارسات معالجة النفايات الطبية 2019، كما حصلت على جائزة الجمعية الدولية للنفايات الصلبة عن حملتها "مطلوب للعدالة".

وفي الوقت الذي تُؤكد فيه "بيئة" على "حماية بيئتنا لأجيال الحاضر والمُستقبل"، وإيجاد مجتمعات مستنيرة وواعية وشباب يتمتع بالحس البيئي"، كما يشير الرئيس التنفيذي في كلمته لتقرير الاستدامة 2019، فإنَّ ما يُطمئن المهتمين بالبيئة عموما أنَّ جيل الحاضر بات شعلة من النشاط في مجال البيئة؛ حيث من الملاحظ الحرص الشديد من شبابنا على الاعتناء ببيئتهم وذلك من خلال المشاركة في مختلف الأعمال المتعلقة بالبيئة وتشكيل الفِرق التطوعية كل بحسب اهتمامه أو البيئة التي نشأ فيها وهذه قيمة مجتمعية يجب على الجهات المسؤولة عن البيئة توظيفها التوظيف المُناسب؛ بما يخدم البيئة على المدى الإستراتيجي؛ وذلك أنَّ الجهود الحكومية والتشريعات والقوانين لا يمكن أن تؤتي ثمارها ما لم تجد القاعدة المجتمعية الواعية التي تساعد على تحقيق هذه الجهود على أرض الواقع.