أخلاقيات العمل.. حاجة وضرورة

د. سليمان بن خليفة بن ناصر المعمري

 

يكتسب موضوع أخلاقيات العمل أهمية كبيرة، وذلك لما يترتب على تطبيق القواعد والسلوكيات الأخلاقية المنظمة للعمل أو المهنة من تحسين وتجويد للخدمة المُقدمة، ومن إنجاز متميز في الأداء، وتحقيق الفاعلية والنجاح المأمول في العمل؛ لذا كان من الواجب ومن الضروري إيجاد أدلة استرشادية أو توجيهية تكون كميثاق أخلاقي لكل مهنة أو وظيفة في المجتمع، يقوم على وضعها وصياغتها ذوو الكفاءة والاختصاص في كل مجال أو من خلال النقابات والجمعيات المنظمة لأي مهنة كجمعية المحامين أو الصحفيين أو المهندسين أو الأطباء...وغيرها من التنظيمات الأخرى التي تُعنى بوضع الأسس والأطر المنظمة لممارسة أي عمل أو خدمة تقدم للمجتمع، وكذلك تهتم بإعداد البرامج اللازمة للإعداد الأخلاقي للعاملين في مهنة ما.

والحقيقة أنَّ وجود ميثاق أخلاقي أو دليل للسلوك الوظيفي في أي مؤسسة من شأنه أن يُنير الطريق لممارسي ذلك العمل حول أفضل وأنجع السبل لممارسة العمل بطريقة مهنية سليمة تتسم بالأمانة والنزاهة وتحرص على التطبيق الواعي والفاعل للواجبات والقوانين والنظم المحددة لذلك العمل، كما يُسهم في التقليل من العشوائية والاجتهادات الفردية، ويُجنب العاملين الوقوع في الأخطاء والتعرض للمخالفات الإدارية والقانونية، إضافة إلى أنه يضمن ممارسة العمل أو المهنة من قبل الأشخاص المؤهلين، أو الذين تم إعدادهم في المسار المهني أو الوظيفي الملائم أو الصحيح، فنضمن أن المهندس المدني مثلاً حاصل على شهادته في ذات التخصص، وكذا المعلم والمدرب والمحامي والمرشد النفسي...وغيرهم؛ وذلك من خلال اعتماد شهاداتهم وخبراتهم من قبل الجهات المشرفة أو المُنظمة لهذه المهن بعد الفحص والتأكد من مؤهلاتهم وخبراتهم ومدى انطباق الميثاق الأخلاقي لممارسة المهنة عليهم، وهذا من شأنه أن يشعر المستفيد من الخدمة بالأريحية والأمان ويضمن سلامة وجودة الخدمة المقدمة، كما يُسهم في تقدم المجتمع ورقيه.

ولعلَّ من أشكال وصور أخلاقيات العمل التي ينبغي على الموظف الحرص عليها وتطبيقها عند ممارسته لعمله؛ هي: استشعاره للمسؤولية وتحليه بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل، وتمتعه بالكفاية المهنية العالية وإلمامه بمهامه الوظيفية والحرص على التطبيق الأمين لكافة القوانين واللوائح المنظمة للعمل في مؤسسته، والالتزام بقيم التعلم المستمر والتنمية المهنية الذاتية طوال مسيرته المهنية وتحديث معارفه وتحسين مهاراته التي تعينه على القيام بواجباته الوظيفية، وتعزيز قيم التسامح والعمل بروح الفريق الواحد والحرص على نقل خبراته ومعارفه لزملائه، والالتزام بحُسن المعاملة وعدم الإساءة للآخرين، والمحافظة على أصول وممتلكات المؤسسة وتجنب تضارب المصالح أو استغلال المنصب أو الوظيفة أو قبول أية معاملات مشبوهة أو الخروج عن كرامة الوظيفة وشرفها.

والواقع أنَّ الدول التي سادتْ العالم وأصبحت إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس، وأن المؤسسات والأفراد الذين كُتب لهم النجاح والتقدم والازدهار، وأصبح يشار إليهم بالبنان ما كان ليتأتى لهم ذلك لولا ما مارسوه وطبقوه من أخلاقيات (ميثاق المواطن  Citizens charter - في بريطانيا مثلا) وحسن تنظيم العمل، حيث وضعوا القواعد المنظمة والقوانين الحاكمة لأي سلوك أو تصرف وحموا هذه المواثيق الأخلاقية والسلوكيات من أي انتهاك أو تعدٍ عبر جمعيات ومؤسسات عرفت بالدقة والرصانة والنظام، ويوم أن تخلى الناس عن إيلاء مثل هذه المواضيع الاهتمام الذي تستحق وأغفلوا عن وضع الأطر المنظمة والمنهجية الصحيحة التي تحكم كل مهنة ظهر الفساد الإداري وعمَّت الفوضى وانتشر العبث وادعى البعض ما ليس له، مما أثر على سمعة وجودة العمل وفقد مصداقيته لدى شرائح المجتمع المختلفة.

وختاما.. فإنَّ الأخلاق لغة عالمية يأنس لها الجميع، ويطرب لها الكل، ويجني قطوفها الدانية وثمارها اليانعة من يغرسها لديه ثقافة وأسلوب حياة، فهذا نابليون بونابرت يقول: "تفسد المؤسسات حين لا تكون قاعدتها الأخلاق"، ويضيف هنري ديفيد ثورو قائلا: "ليست الأخلاق أن تكون صالحًا فحسب، بل أن تكون صالحاً لشيء ما"؛ لذا فإنَّ الالتزام الأخلاقي في العمل والسلوك أساس كل تحضر وتقدم، وكم كان رائعًا أمير الشعراء أحمد شوقي في بيته الشعري الخالد:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

تعليق عبر الفيس بوك