بلج.. سبقتنا ورحلتْ عنا باكرا!

حمود بن علي الطوقي

لم يكن يوم أمس عاديًّا، بل حدث مُهم على المستوى المحلي تناقله الجميع؛ حيث استقبلنا خبرًا مفجعًا برحيل "الولد الصالح" -نحسبه كذلك- بلج بن عبدالله بن عامر العيسري -رحمه الله- الذي انتقل إلى جوار ربه ليُكمل الحياة الأبدية في جنات الخلد، مع النبيين والصديقين والشهداء والأخيار الصالحين، بجوار سيد الأنام ومُعلم الإنسانية وهادي البشر محمد بن عبدالله -عليه أفضل الصلاة والسلام.

خبر وفاة بلج كان مُؤلمًا؛ حيث ضجَّت منصات التواصل الاجتماعي لرحيله؛ إذ كان الجميع يُتابع حالته الصحية الحرجة منذ دخوله المستشفى قبل أسبوعين إثر جلطة فجائية، أثناء مشاركته بتصوير إحدى المناسبات، فكانت مشيئة الله أن يقع طريحًا، وتمَّ نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.. كان الجميع في حالة متابعة مستمرة لحالته، رافعين أكف الضراعة إلى الله بأن يمن عليه بالشفاء العاجل، لكن إرادة المولى شاءت أن نودع ابنًا بارًّا وشابًا طموحًا في مقتبل عمره، كان يُخطط لأن يُقدم الكثير لهذه الدنيا، كان يملك كل المقومات لأن يكون متميزا؛ فقد كان مُثابرا منذ نعومة أظفاره، رفيقا لوالده المربِّي الفاضل أخينا الورع الشيخ عبدالله بن عامر العيسري.. فكان الأب يرسم لابنه خارطة الطريق بعناية فائقة، طريق يلتمَّسه كل مؤمن وكل مُربٍّ وكل أب أن يكون ابنه كـ"بلج".

نعم.. كان بلج منذ صغره مُتميزا بكل ما تعنيه الكلمة؛ فكان قدوةً لرفقائه ونظرائه من الأطفال، كان يتقدمهم ويمضون خلفه، كان رائدًا ومُلهما منذ طفولته، وقد اكتسب هذه الصفات الحميدة من والده التربوي مُؤسِّس مركز العيسري، هذا المركز الذي أسهم في ترسيخ القيم الأصيلة في نفوس الناشئة؛ فقد كان الفقيد ينهل من مناهج المدرسة العيسرية أسمى معاني وأبجديات الحياة، كان بلج ظلًّا لأبيه في كل المناسبات، فتجده يجلس مع الكبار ويتحدث معهم بلغة موزونة، ورغم صغر سنه كان عذبَ اللسان إذا تحدَّث، وجميل المحيَّا إذا ابتسم. كان له حضور لافت في معرض مسقط الدولي للكتاب، فكان يقف في جناح مركز العيسري ويستقبل الزوار، ويقدم لهم شرحا وافيا كافيا عن إصدارات المركز المتميزة من كتب وقصص خاصة بالأطفال، وكان عندما تكون الفرصة سانحة يتجوَّل في أروقة المعرض، يبحث عن إصدارات وكتب تسانده وتسهم في تنمية مداركه.

أذكر عندما زارني في جناج مجلة "مرشد" بمعرض الكتاب في دورته الأخيرة، سأل عني ولم يجدني، فترك رسالة للقائمين على الجناح: "بلغوا العم حمود بأني زُرته وسوف أعود لاحقا"، وفعلا عاد وببشاشته المعهودة، قال: "حبيت أزورك، وأزور جناح مرشد". ثم أردف يقول: "كان لأبي عبدالله تجربة في إصدار مجلة "أيوب" للأطفال، ولكن لم يُكتب لها الاستمرارية، وبإذن الله تستمر مجلة "مرشد" لأن أطفالنا في أمسِّ الحاجة لإصدار يغرس فيهم القيم الإسلامية الأصيلة، ونتمنى لكم التوفيق والاستمرار".

هذا هو ابننا بلج، الذي رحل عنا باكرا، ليلحق بآبائه وأجداده الكرام.

نودِّع بلج.. الشاب الطموح ورائد الأعمال الناجح، الذي رسم لنفسه طريقًا كي يُنمِّي مواهبه، فأسس شركة خاصة معنية بالتصوير وتقديم الخدمات، وكان يشرف على إدارة هذه الشركة بنفسه، كما أسَّس مقهى، وأراد أن يكون مختلفاً، به لمسة جمال بعبق الثقافة والإبداع، خطَّط لأن يكون هذا المقهى مُلتقى لطلبة العلم والباحثين فهيَّأه لهذا الغرض.

رحل بلج عنَّا باكرا، وترك أحلامه وطموحاته، وها هو الآن بجوار ربه، تاركا أثرا طيبا سيظل الجميع يتذكرونه.

فإلى جنات الخلد ابننا العزيز.. أنتم السابقون ونحن اللاحقون.