جفَّت الصحائف.. وتغيَّر الزمن!

حمد بن سالم العلوي

إنَّ الذين كانوا يعلّقون آملاً عريضة على حضور الرئيس بايدن للقمة العربية في جدة بالمملكة العربية السعودية -خاصة الدولة الصهيونية- التي ظلت تقرع طبول الضلالة بالتطبيع الكبير، فقد خاب ظنُّها وظن أمها الحنون أمريكا من هذه القمة، فالناس بالمنطقة عينهم على روسيا القادمة بقوة ومن خلفها الصين، وعينهم الأخرى ترقب بحذر خطر الضباع الأمريكية، وذلك حتى لا تغدر بهم انتقاما مما آلت إليه حالها، بعد الحسم الروسي وتصديه لطموحاته في أوكرانيا، وأوكرانيا هذه المندفعة إلى المجهول بلا هوادة، وذلك طمعا في فردوس الغرب، وقد لا ترى أي اتجاه إلى الغروب.

إذن؛ انكشفتْ الغمة بانقشاع غيوم الوهم التي كانت تتغنّى بها الدولة الصهيونية، وذلك قبيل الزيارة البايدونية للمنطقة، وربما لن يتكرر شيء مثل هذه الزيارة في المستقبل، مرة أخرى بهذه الشاكلة، وقد كانت إسرائيل تُشيع في وسائل الإعلام أحلاما كثيرة سوف تتحقق من وراء الزيارة، وعلى رأسها التطبيع لمن لم يطبع بعد في العلن، والناتو العربي الأمريكي-الإسرائيلي، وقد ظللنا كـمراقبين في ذهول لا نستطيع أن نقول رأيًا في الذي يُقال ويُنشر إعلاميا، ولكن عندما رأينا الاستقبال السعودي البارد للرئيس الأمريكي، ثم السلام بـ"التباكس" بقبضة اليدين بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي، تنَّفسنا الصعداء لأن لا شيء مهولًا سيحدث، وكذلك عند استمعنا إلى الكلمات الحذرة في المؤتمر، شعرنا كمراقبين أن الأمور في سياقها السليم والعادي، وأن لا مفاجآت في الزيارة ولا في المؤتمر بأكمله.

نعم ثم نعم.. هناك تغيُّر كبير قادم، وسوف تفصح عنه الأيام، وقد أفصح مؤتمر جدة عن شيء منه، ذلك لمن يستطيع القراءة بين السطور، وأن إجراء مقارنة بين مؤتمر ترامب في الرياض قبل سنوات، ومؤتمر جدة الأخير سيُكتشف معها أن هناك فارقا شاسعا بينهما، وننظر كذلك إلى ما قاله في مكان آخر "توني بلير" من تصريح خطير، فقد وصف فيه حالة الغرب بالتشرذم التدريجي، فيؤكد في الذي قاله على نهاية القطب الأوحد للغرب، وبأن نجم هذا الغرب بادٍ في الأفول، هذا ما فهم من تصريحه، وهو بلير الذي كان يشكل خطرا على أمة العرب أيما حل وارتحل، وهو يعبِّر في كلامه عن حقيقة واقعة تُؤلمه في نفسه بلا جدال، وما يتحقق على أرض الواقع اليوم من تساقط للحكومات الغربية، فهو نتيجة طبيعية للذي يجري في أوكرانيا من مخاض طبيعي لولادة عالم جديد، وإن نشوء هذا العالم الجديد سيكون على أيادٍ أخرى غير أسياده الأوائل، والغرب سيصبح فقط شاهدًا عليه، والذي سوف تتسّيده روسيا والصين وتجمع البريكس، ولكن لن تكون فيه رأفة بالغرب، وحلفائه من الاستعمار القديم.

إنَّ الأنظمة حول العالم سوف تتغير، وسيحكم العالم أناس وطنيون، وسيكون الحكام في العالم الجديد أحرارا لا عبيدا للمستعمر، وسوف تصنعهم الشعوب، وليست أمريكا والغرب كما كان يحدث في الزمن الأخير، ولأجل تحقيق المصالح الوطنية وحدها، لأن الذي كان يحدث حول العالم، صناعة حكام "دومى" إخلاصها للأسياد لا للبلاد، إلا القلة القليلة من الدول، وربما كان يُسْكتُ عنها لأنها فقط لا تؤثر عليهم بشيء، أما الدول التي تؤثر على الغرب، فليس مسموحًا لها بالسيادة والاستقلال، فإما الحصار الخانق، وإما الخنوع المذل أو الانهيار، لأن الغرب لا يؤمن بالحياد، فإما أن تكون معهم في الضلالة، وإما أنت بالضرورة ضدهم، والضد مرفوض وغير مسموح به على الإطلاق، ولا يوجد في أعراف الغرب الظالم والمستبد حرية للآخر أبدا.

إنّ الغرب بصورة عامة، وأمريكا بصورة خاصة، ظلوا يتعاملون مع غيرهم من خلق لله، بأسلوب استعلائي مقرف، وكأن جلدتهم الحمراء أعطتهم الحق في أن يكونوا شعب الله المختار، فتعاملوا مع شعوب الأرض بعشرين مكيالا، وموازين لا حصر لها، فاحتكروا العدالة لهم دون سواهم، وظلت بعض الشعوب تنظر إليهم نظرة "القضاء والقدر" الذي لا مفرَّ منه، حتى نشبت الحرب الحالية بين الغرب والروس عبر أوكرانيا، ونتيجة لسيطرة روسيا (البوتينية) على مسار الحرب، فقد تحرر تفكير البعض من القدر الأمريكي، وظل البعض الآخر بين مُصدِّق ومشكك، وخائف من الردة الأمريكية عليه، ولكن لن يطول به الانتظار في هذا الخذلان، وعن قريب ستتضح الرؤية، وستتبدد الريبة والشك إلى يقين تام وواضح.

إنَّ المستقبل لن يتوقف عند "شك" قماش الأعلام الأمريكية، وتحويلها أكياسًا للتبن والأعلاف للماشية، كما يفعلون ذلك في أفغانستان بها اليوم، بل سيتحول الغرب وأمريكا إلى عالم ثالث ورابع وعاشر، وسيتقاتلون كما تقاتل غيرهم من قبل بتحريض منهم، وإنما هؤلاء سيتقاتلون قتال الاستقلال والانفصال، وإن الحرية والديمقراطية التي كانوا يعيشونها، سوف يرونها فقط في الأفلام التي ستمثل مستقبلاً للتعريف بها، وهذه ليست قراءة فنجان، أو تفسير أحلام، وإنما هكذا تكون الأحكام الإلهية المبرمة في خلقه، فكما تدين تدان، وهي حالة ستحدث -بإذن لله- نتيجة للسرقة والشر والقهر وأكل أموال الناس بالحرام.. فلا نامت أعين الطغاة المجرمين.

الأكثر قراءة