نعم.. للعقوبة الرادعة

* حمود بن سيف السلماني

إنَّ من أجمل النعم على الإنسان نعمة الغيث، وما أجملها من رحمة تنزل من السماء إلى الأرض، وسُمي الغيث رحمة لأنها تسقي الأرض وتنبت الزرع ويستمتع الإنسان برؤية المياه تجري في الأودية؛ حيث يقضي بعض أوقاته في تلك الأماكن للاستمتاع والترفيه عن نفسه، مصداقاً لقوله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ" (المؤمنون:18-20).

ولكن تلك الفرحة لا تكتمل بسبب التهور والاستهتار الذي يحصل من بعض الذين يخاطرون بأنفسهم وبالغير؛ بالنزول للأودية بسياراتهم مُعتقدين أنهم قادرون على تخطي الوادي، مُتحدين قوة الماء القوية والتي لا يضاهيها قوة، بعضها يؤدي إلى تدهور المركبة وجرفها في الوادي بمن فيها، مسببًا الأضرار الجسيمة بالمركبة، ونادراً ما يستطيع الشخص النجاة من الموت بفضل من الله وحده فقط.

والعجب كل العجب أن يقوم الأب بقيادة المركبة في وسط الوادي بمعية أبنائه وأسرته بحجة رجوعه من منطقة بعيدة إلى البيت، وتحصل الكارثة بأن تختفي العائلة بأكملها في الوادي، ويصبح المنزل مغلقاً للأبد، وكان بإمكان الأب الانتظار لبعض الوقت حتى يقل منسوب الماء في الوادي ويستطيع بعدها العبور بسلام إلى المنزل، إلا أنَّه فضَّل التضحية بنفسه وأبنائه بالدخول إلى الوادي.

فكم من عائلة خرجت من أجل الاستمتاع والترفيه عن نفسها، وتعود والجزع والحزن يعم على وجوهها، فتفقد الأم ابنها، وتُرمل الزوجة ويُيتم الأطفال، ويصل الأمر في الكثير من الأوقات إلى غلق بيوت بأكملها، وكل ذلك بسبب التهور ومقاومة قوة الطبيعة بالدخول إلى الأودية وتحصل الكارثة غير المتوقعة، وقد نسي كل من يُخاطر بحياته وحياة الذين معه قوله تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة:195)، وقوله: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" (النساء:29).

فتلك التصرفات التي يقوم بها الغافلون إنَّما هي من قبيل إلقاء النفس في الهلاك والعياذ بالله، وما أشنعه من تصرف بأن يأتي الشخص بمثل تلك الأفعال التي من شأنها أن يؤذي الشخص نفسه ويؤذي الآخرين، بدخوله مجاري الأودية من أجل الاستمتاع ومحاولة استعراض العضلات، أو محاولاً تجاوزه بحجة أن لديه سيارة الدفع الرباعي ولا يبالي بالمخاطر التي قد تحدث لا قدر الله.

فإني لا أجد تفسيراً لمثل هذه التصرفات التي يقوم بها الشخص، خاصة إذا كان لديه أشخاص يركبون بالمركبة ويخاطر بفعله بدخول الوادي، مع علمه الأكيد بأن ذلك خطر عليه وعليهم، فإن الطريقة السليمة لإيقاف مثل تلك التصرفات هي إيقاع أقصى العقوبة على من يقوم بتلك التصرفات معرضا نفسه والآخرين للخطر، حتى يكون عبرة لغيره من الذين تسول لهم أنفسهم القيام بتلك التصرفات، والمخاطرة بأنفسهم وغيرهم وإلقاء النفس في التهلكة.

وقيام سائق المركبة بدخول الوادي أو الأماكن الخطرة من أجل الاستعراض ولديه بعض الأشخاص وانجراف المركبة به إلى الوادي ويتوفى أحد الأشخاص الذين يركبون معه في المركبة، فإن أقرب مادة للتطبيق في حقه هي (311) من قانون الجزاء العماني، والتي تعاقب كل من تسبب بخطئه في موت إنسان.

وفي الختام.. يجب علينا جميعاً الوقوف يداً واحدة للحد من هذه الظاهرة المؤلمة، والتي تستنزف الشباب وغيرهم، ويجب نشر الوعي الاجتماعي، ومساعدة رجال الشرطة بالإبلاغ عن كل من يقوم بمثل هذه التصرفات، والتي من شأنها التأثير على المجتمع، والحفاظ على الأسرة كاملة؛ لأن من يقوم بتلك التصرفات ويتعرض لإصابات خطيرة يكون عالة على نفسه وأسرته وعلى المجتمع ككل.

فالاستمتاع بجمال الطبيعة بالابتعاد عن الأماكن الخطرة مثل الأودية الجارفة، والبرك المائية العميقة، لنخرج مستمتعين ونعود إلى المنزل سالمين.

 

* محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك