مؤشرات الواقعية السياسية في زيارة برلين السلطانية

منى المعولية

سِجلُ التاريخ العُماني المعاصر نُقِش على جنبات زواياه ومحطاته منذ العام 1970 حتى 2020م، أنَّ سلطنة عُمان دولة مُحِبَّة للسلام، تنبُذ الحروب والصراعات وتُؤيد الحلول السلمية، وسعت عُمان في كثير من الأحيان إلى حلحلة الصراعات الإقليمية، ومدَّت يد السلام إلى كافة الفرقاء في العالم، مُتخذة من الحياد سبيلا لتحقيق التوازن في علاقاتها الدولية، وهذا مبدأ ليبرالي في السياسة الدولية، حقَّقت عمان من خلاله بعض غايات الأمن الوطني بمبدأ "لا ضرر ولا ضرار".

وبقراءة متأنية للسياسة الخارجية العمانية خلال الخمسين عاما الماضية، لمعرفة مدى استفادة عُمان من مثاليتها في العلاقات الدولية، في عالم تسيطر عليه الواقعية السياسية، ويموج بالصراعات السياسية والاقتصادية والعسكرية، في إغفال واضح للمبادئ والأخلاق التي أسستها النظريات الليبرالية والمثالية، نجد أنَّ عُمان خرجت بإيجابيات الحفاظ على أمنها الوطني دون أن تُحقِّق مكاسب اقتصادية هائلة كما حدث في بعض دول الخليج، التي تدعي نفس المبادئ الليبرالية، وأصبحت عُمان سهلة التوقُّع والقراءة والتنبؤ بخطواتها المستقبلية؛ الأمر الذي وضعنا أمام تحديات جسيمة أسهم بعضها في ضياع الكثير من الفرص التي من خلالها يمكن لعُمان تحقيق العديد من القفزات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ومنذ بُزوغ فجر العهد الجديد بقيادة سلطاننا المعظم هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- والذي تسلم البلاد وهي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية وجودية، كان لزاماً على الحكومة أنْ تتخذ العديد من الإجراءات الصعبة لحماية أمننا الاقتصادي؛ الأمر الذي قُوبل برفض شريحة واسعة من العُمانيين. وبفضل من الله أولا وأخيرا، وحكمة جلالة السلطان، تمَّت إدارة الأزمة بأدوات عمانية خالصة، دون أن يسعفنا العالم بدولار واحد، ولم يتذكر لنا كل ما قمنا به من أجل السلام والأمن الإقليمي والدولي، وتلك هي الواقعية السياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا مجال للمبادئ البراقة أو العواطف الجياشة في العلاقات الدولية، بل هي المصالح ثم المصالح ثم المصالح.

لقد اختطَّ العهد الجديد خارطة ومسارا جديديْن للعلاقات الدولية، ووضعت المصالح الاقتصادية حجر الزاوية في هذا المسار السياسي الجديد، فأصبحتْ أجندات الدبلوماسيين العمانيين يعلوها تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول العالم.

... إنَّ زيارة ألمانيا كثاني دولة أوروبية تحظى بشرف استقبال السلطان المُفدى، تدل بما لا يدع مجالا للشك على أنَّ عمان سائرة نحو الواقعية السياسية، والبحث عن المصالح العمانية أينما وُجِدت، وأنَّ تبادلا تجاريا لا يتعدى الـ200 مليون دولار مع رابع أكبر اقتصاد في العالم، لا يلبي طموح الفكر السياسي والاقتصادي لمولانا السلطان المعظم، وعليه فإننا نتوقع من هذه الزيارة أن تحقِّق لعُمان العديد من المصالح السياسية والاقتصادية من مبدأ "أن المصالح الاقتصادية هي الدافع الأكبر لتعزيز العلاقات الدولية وتحقيق الأمن والسلم الدوليين".

وفي الختام نستطيع القول إنَّ السلام والأخلاق مبدآن سارتْ عليهما الدولة البوسعيدية منذ نشأتها الأولى، إلا أن هذه المبادئ والأخلاق المثالية في العلاقات الدولية أسطوانة يتغنى بها الجميع دون استثناء، ولا يكترثون لها عندما تصطدم بمصالحهم الاقتصادية، ونحن في عُمان نؤمن بالمبادئ والأخلاق لكننا في الوقت ذاته يجب أن نضع مصالحنا الاقتصادية فوق كل اعتبار، وجعل عمان أولا في كل شيء؛ سواء في الأحداث السياسية أو الصراعات الدولية، فعُمان قبل أوكرانيا وروسيا، وعُمان قبل ألمانيا وبريطانيا، وعُمان قبل فلسطين وإسرائيل، وعُمان قبل الجميع.

حفظ الله عُمان أرضا وشعبا وسلطانا، ولا عزاء للفاسدين والمتخاذلين والخونة الذين أضروا بعُمان ومصالحها الاقتصادية ردحا من الزمان.

تعليق عبر الفيس بوك