سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
هناك أمرٌ لا طائل لي بحمله، يُلقي بنفسه فوق رواق هذه المساحة بين وريقاتي، يندس بين أسطر الكلمات ويبحر بعيدا حيث لا يُمكنني السيطرة، حاولت ازدراء انفعالاتي ولم أستطع؛ أمرٌ انفلت مني، أحدثَ صخبا ثم هدأ من تلقاء نفسه.
أتساءل: هل التجرؤ أكثر فداحة أم الجرم المُرتكب؟ ولأن التساؤل ذاتي؛ فالإجابة ستكون على قدره بشيء من التعقل، وجدت أنَّ تجرؤ العاملين في مجال المواد الاستهلاكية خصوصًا المخالفات الغذائية أكثر فظاعة من الجرم المجترح، التجرؤ هو الأساس.
العقلية التي أوحتْ لعامل ما بتنفيذ جرمه مع سبق التعمُّد والإصرار على الفعل تُوحِي بأنَّه مُلم بالقانون، وقد ترك كل عاقبة تنضح وراء ظهره ليجني المال، المال فقط هو ما يبرر فعله، عدم الخوف من القانون وخوض غمار العقوبات التي يفرضها في منتهى الجرأة؛ فحينما يقع في طائلته يعلم مجراه ويستأنس مآله فقد وقع زميل له من قبل في نفس العقوبة التي تنتهي بالترحيل عن البلاد، هم يعلمون ذلك ويعملون عليها.
سيأتي من بعده آخر يجدد في أدواته، فلا يستخدم نفس طرق الاحتيال وكسب المال، سيزيد في حرصه وسينقل أعماله إلى مكان أكثر أمنًا وأقل صخبًا، وسينأى بنفسه داخل عقول وقلوب الناس البسطاء، سيفكر بطريقة مختلفة ليأتيه المال طواعية وبالمسالك غير الشريفة نفسها.
ما أتحدث عنه أنَّ أغلب العمالة تستسهل العقوبة؛ لأن ختامها الترحيل عن البلاد، في حين أنَّ ما يوجع العمالة أكثر ما جاءت وما فعلت من كبائر مجتمعية للوصول إليه وهو المال، تشديد الغرامات هو الحل خصوصا لمن أعاد الكرة في المخالفة الواحدة، وأعتقد جازماً أن إزالة بعض العقبات القانونية وتسهيل الإجراءات والمتطلبات تُحرِّك دماء الاقتصاد وتعيد له رشاقته، وفي الوقت نفسه تشديد العقوبة لمن ثبت عليه جرم مُعين؛ فالترحيل عن البلاد مكافأة نهاية خدمة وليست عقوبة.
أكبر شريحة من مجتمع البلاد تعتمد على محلات المواد الغذائية كالمقاهي والمطاعم وغيرها، ويضعون ثقتهم في وسائل الرقابة الحكومية التي تجتهد في ذلك من خلال جنود ميدانيين أكثرهم أكفاء وجديرون بالثقة، الثقة لا تتزعزع في الوسائل التي يتبعها المراقبون لكن بعض الضوابط بحاجة إلى إعادة نظر.
تستند مُعطياتنا على الواقع وعلى المعاشرة، كما تطالعنا مواقع البلديات بين يوم وآخر عن مداهمة مواقع تقوم بإعداد الأطعمة في بيئة غير صحية وتتصف بالقذارة والفساد، هذا الأمر يصيبنا بالضيق والكآبة كمواطنين، والقانون الذي يتم تطبيقه لا يساعد المراقبين كثيرا، أما قانون سلامة الغذاء فلا يطبق على كل جرم في هذا الشأن.
هؤلاء هم عبدة المال، لا يتورعون عن فعل مشين يجلب لهم المال يلقون بالضوابط والقوانين في مهاوي الاستخفاف، وفي نطاق التجرؤ يخبرني أحدهم عن أماكن خارج نطاق التنظيم يبيعون فيها الخضراوات والدجاج الحي؛ فتتم مداهمتهم، يتفرقون ثم يجتمعون بعد مدة لممارسة نشاطهم الممنوع دون تصريح أو رقابة.
يتجرأون على القانون ويأمنونه، حينما تحدثني عن الجِد فعلى البلدية التواصل مع الجهة المختصة في القبض على هؤلاء من خلال رجال تدربوا للقبض على مثيري الشغب الذين يمثلون تهديدا لتطبيق القانون؛ فالأمر سيتفاقم في أماكن أخرى لو ترك دون حل.
أبناء البلد لهم الأفضلية في كل بلاد الدنيا؛ فلا ضَيْر أن الأمر لا يشملهم مع محاولة تطويع القانون لهم وإيجاد الحلول المناسبة لأولئك الذين يقومون بنفس الفعل منهم، أما الوافد فليس عليه أن يتجرأ على القانون لأنه جاء للبلد من خلاله وعليه العمل حسب القانون وليس خارجا عنه، فمعرفة الزوايا التي يتم من خلالها العمل به سيتيح لنا تنفيذه بشكل صحيح، والقدرة على ذلك تكمن في تعاون وتعاضد جميع أجهزة الدولة وليس بمعزل عنها.
اتسمت ولاياتنا بالنمو والتطور، فتباينت معها أعداد المحلات التجارية صعودا وتطورا في الغالب، لكنَّ أدواتنا الرقابية وبعض لوائح العقوبات المطبقة بقيت كما هي، إلا من قانون سلامة الغذاء الذي لا يطبق على المخالفات الصغيرة (وليست البسيطة).
التجرؤ على القانون فيه خيانة عظيمة خصوصا إذا كان بمساعدة لوجستية من أحد أبناء البلد، خيانة للقانون وخيانة للبلد وخيانة لأبنائه بل وخيانة لعمله الذي جاء هنا لتأديته، التجرؤ فيه استهتار ولا مبالاة وقلة احترام للبلد الذي احتضنه، وتشديد العقوبة مطلب لا يحيد عنه مخلص، أما الجرم فسينتهي لا محالة إذا انتهى التجرؤ.
تفعيل الأجهزة الرقابية وتطويرها تقنيا وبشريا مطلبٌ آخر مهم، فمع ازدياد تقنيات التحايل ومبطلات الجزاء يجدر بالمجتمع النهوض بوسائله وتدريب كوادره عليها لحماية أفراده وهيبة منشآته فالإنسان ليس مسرحا للتجربة ولا أداة من أدوات الابتلاء، ومنشآت الدولة ليست ميدانا للاستغفال وللتهكم والازدراء، وقوانيننا درع لنا لا مجال لخرقها أو التفريط بها.