في التسعين (5)

د. خالد بن حمد الغيلاني

 khalid.algailni@gmail.com

@khaledAlgailani

لا يختلف اثنان على أهمية الرياضة ودورها المجتمعي في احتواء الشباب، وإبعادهم عن الكثير من الجوانب التي لو ساروا فيها لكان الأمر سلبيا على المجتمع، وفيه بعدٌ عن التفاعل في مختلف قضاياه، وهروبا نحو المجهول، وبالتالي فحق على الدولة والمجتمع الاهتمام الكبير بالرياضة والرياضيين.

وفي هذا المقال نتساءل جميعا عن الأندية العُمانية من حيث الإمكانات المتاحة والأمل المنشود.. وفي البداية، فقد عرَّف قانون الهيئات الخاصة العاملة في المجال الرياضي الأندية بأنها: "النادي الرياضي هيئة رياضية تكونها جماعة من الأفراد بهدف تنمية وتكوين شخصياتهم بصورة متكاملة من جميع النواحي: رياضيا وصحيا ونفسيا واجتماعيا وفكريا، عن طريق نشر وممارسة التربية الرياضية السليمة بينهم، وبث روح الولاء والانتماء فيهم، وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم وتيسير السبل والوسائل المتعددة لشغل أوقات فراغهم فيما يفيد". وبموجب هذا التعريف يتم التعامل مع مختلف الأندية؛ فهل الهدف الوارد في هذا التعريف والمتعلق بتنمية الأفراد ونشر الألعاب وممارستها أصبح كافيا في ظل رغبة متنامية في سبيل الدخول لمنافسة حقيقية وضرورية، يفرضها الواقع الرياضي، وتعززها توجهات الدولة نحو حضور أساسي تنافسي في مختلف المجالات.

ثمَّ: هل يكفي الاعتماد على الدعم السنوي المقدم من الدولة للأندية عبر الجهات المختصة لمجرد ممارسة الأنشطة المختلفة في كل الألعاب الرياضية؟ إضافة إلى  أنشطة ثقافية واجتماعية مطالب بها النادي وتأتي في نطاق دوره المطلوب؟

وهنا.. الحديث عن نشر هذه الأنشطة دون السعي للمنافسة فيها، أم لا بد من فتح مجالات أخرى وأبواب واسعة يتم من خلالها دعم الأندية؛ دعم يتسق مع متطلبات المرحلة، ويمضي بتفعيل دورها المنشود والمأمول منها على الحقيقة وليس على الأمل والحلم.

وعليه؛ فإننا نتفق جميعا أنَّ الدعم السنوي المقدم لا يفي بمتطلبات لعبة واحدة (كرة القدم)، وللتحديد فهو لا يغطي تكاليف أكثر من شهرين أو ثلاثة للفريق الأول، وهذا طبعا لمن أراد المشاركة فقط -مجرد المشاركة- دون تعزيز لروح المنافسة، والتي لا بد منها إذا شئنا تنافسا خارجيا؛ ذلك أن حُبَّ المنافسة والحرص عليها مهارة يكتسبها الرياضي منذ بداياته الأولى، فإن أهملت فلا سبيل إليها مع تقدمه ولو كان نجما بارزا.

ولستُ هنا لأُطَالِب برفع الدعم؛ لعلمي أن هذا أقرب للهدر منه للفائدة، والسبب واضح جلي لأن نتائج الصرف لا تتناسب مع المنجز. وهنا.. يُمكن أن أقترح بعض من الحلول، وهي بطبيعة الحال ليست بخافية عن الكثير، تحتاج فقط لتجد سبيلها نحو التنفيذ:

وأول الأمر لابد من تعديل قانون الهيئات الخاصة، ومن ثم النظام الأساسي للأندية، تعديلا يتوافق مع متطلبات النهضة المتجددة، ويؤسس للسعي نحو العالمية؛ ومن ذلك: تغيير مفهوم الأندية وتطوير دورها، وتحديد مهام كل من الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، والتخفيض من كثرة الموافقات والرجوع المستمر للوزارة، ويحل محل ذلك نظام حوكمة واضح وشفاف، مع وجود جهاز تنفيذي معين في كل نادٍ.

ومن ثمَّ، فلا بد من وجود استثمار حقيقي للأندية؛ فالواقع الحالي لا يخدم إلا أندية محدودة جدا ساعدها موقعها الجغرافي وقوة المحافظة الاقتصادية؛ فنادٍ في مسقط لا يُقارن في الاستثمار بنادٍ في محافظة تقل فيها القوة الشرائية والمالية؛ ولعل سائلا يسأل: ألم تعطَ الأندية أراضي تجارية في مسقط؟ نعم، أُعطيت، ولكن لا تمويل لها مع طرق كثير من الأبواب، ولم يفلح في ذلك إلا القليل، وكم كنت أتمنى وكانوا يطلبون ويلحون ألا يصرف المليون من مكرمة السلطان قابوس -طيب الله تعالى ثراه- للبنية الاساسية، التي لا تجد الأندية الآن تكلفة تشغيلها وصيانتها، فلو صرف نصفه على البُنى الأساسية، ونصفه على تعمير أراضي الأندية بمسقط، لكان الأمر مختلفا وإيجابيا، مع استمرار الرقابة والحوكمة.

لا بُد في سبيل الاستثمار من وجود رؤية وطنية وشركة مساهمة عامة تُشرف عليها الوزارة، ويديرها جهاز الاستثمار، وتسهم الاندية في رأسمالها؛ من خلال إما بيع أراضيها في مسقط، أو دعم حكومي لمرة واحدة. ومن ثم، تحديد ضوابط الصرف والانفاق في مجال ولعبة ونشاط ومسابقة.

ومن ثمَّ، فقد آن آوان الجد، وليقُم القطاع الخاص بدوره في دعم حقيقي مشهود للأندية ومساهمات سنوية مستمرة، لها آليات واضحة؛ فدعم شغل أوقات الشباب بنشاط ومسابقة خير من دعم علاج إدمان سببه الفراغ وقلة النشاط، وهو دور وطني للقطاع الخاص لا مناص عنه لمن أدرك الواجب فعمل به.

وختاما.. فلا لومَ على من يجمِّد نشاطه لقلة موارده، وفي ظل مطالبات رسمية ألا يزيد المصروف عن الإيراد، فإن زاد تحمل مجلس الإدارة المتطوع تبعات ذلك؛ فلا المجلس يستطيع ولا المتاح يكفي، والحل تجميد الألعاب، وهو ليس حلًّا، وإنما كيٌّ بنار تلفح الجميع والكل مُدرك لما أقول. ولا بد -بل من الضروري جدا- أن يُعاد النظر فيما أشرت إليه، وسنرى أنديتنا منافسة في كل الألعاب في الداخل ومن ثم في الخارج، وعلى صعيد المنتخبات التي رافدها الأساسي الأندية، مع دور مجتمعي منشود ومشهود.

حفظ الله تعالى وطننا الغالي، عزيزا بسلطانه، سامقا بشبابه، متربعا على عرش البطولات بعزيمة الواثق ورغبة المجد وحرص الجميع وسعي المسؤول وتخطيط وتنفيذ أبناء وطني الكرام.