من أجل السلامة الزوجية

د. سليمان بن خليفة المعمري **

يقول الروائي الروسي ليو تولستوي: " إن كل الأسر السعيدة يتشابه كل منها مع الأخرى، ولكن الأسر غير السعيدة هي وحدها التي تشقى كل منها بطريقتها الخاصة"، فما أكثرها قصص الخلاف والاختلاف والشقاق في العلاقة الزوجية التي وللأسف تكون نتيجتها انفصام عرى هذا الرباط المقدس الذي يجمع بين نفسين وروحين ارتضيا في البداية أن يمضيا في الحياة معا يقتسمان حلوها ومرها.

وكم- للأسف- من قصص الحب الجميلة التي انتهت على مذبح العناد والتكبر وسوء التفاهم بين الزوجين، إذ تشير إحصائيات مركز الإحصاء الخليجي إلى وقوع حوالي (3) آلاف و(426) حالة طلاق في سلطنة عمان في العام 2020م بمعدل (9) حالات طلاق يوميا، كما سجلت بعض الدول العربية حوالي (26) حالة طلاق مقابل (101) وثيقة زواج في الساعة، والحقيقة أن هذه المؤشرات تدق ناقوس الخطر وتستوجب ضرورة حشد الجهود وإيلاء هذه الظاهرة الخطيرة الاهتمام الذي تستحق لحماية الأسرة وحفظ هذا الكيان المهم من التشظي والعطب لما سينجم عن ذلك من نتائج كارثية على الأزواج وأبنائهم، بل على المجتمع بأسره إذ تشكل الأسرة اللبنة الأساسية في بنائه وتماسكه وإن من شأن زيادة حالات الطلاق أن يقوض هذا التماسك المنشود وأن يرتد بالسلب على خطط واستراتيجيات التنمية والرفاه والتقدم التي يطمح إليها المجتمع.

الحقيقة أن مخلفات الطلاق وما ينجم عنه من مآسي ليس من السهل الإحاطة بها، إذ يكفي أنه يتسبب في إيجاد العديد من الاضطرابات النفسية وحالات من الكرب والاكتئاب والقلق النفسي لدى الزوجين وأبنائهما وتظهر حالات من اللاسواء لدى أفرادها وتصبح الأسرة مولدة للمرض Pathogenic Family ، كما لا يخفى تأثيره البالغ على الأطفال، إذ تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين حرموا الرعاية الوالدية داخل أسرهم الطبيعية ممن تربوا في مؤسسات ودور رعاية أخرى أيا كان نوعها ومستواها تضررت لديهم معظم جوانب النمو ابتداء من النمو الجسمي وانتهاء بالنمو الخلقي والاجتماعي مرورا بالنمو المعرفي واللغوي والانفعالي، وقد أبدع الشاعر في قوله:

ليس اليتيم من انتهى أبواه... من همّ الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقى له... أما تخلت وأبا مشغولا

لذا ومن أجل السلامة الزوجية فإنه من المهم الوقوف على التحديات التي تواجه الأسرة وتهدد العلاقة الزواجية، وإن على المقبلين على الزواج الوعي بأهمية الحياة الزوجية وإدراك مسؤولياتها والالتحاق بدورات الإرشاد الزواجي والحرص على الفحص الطبي قبل الزواج ونحوه؛ فالنظام الأسري في الواقع بناء يحكمه الكثير من القواعد rules وينتظم تفاعل أفراد الأسرة وفقا لها إلا أن هذه القواعد في العادة تكون غير مكتوبة وهو ما يجعل العديد من الأفراد يطبقونها حسب هواهم وإدراكهم لها وهو ما ينجم عنه الكثير من المشكلات واختلاف وجهات النظر.

لذا فإن على الأزواج والقائمين على دور الإرشاد والتوجيه الزواجي أن يؤكدوا على أهمية القواعد في صيانة وحفظ النظام الأسري، والحق أن الحياة الزوجية تحتاج إلى الكثير من الصبر والأكثر من التسامح والعفو والتجاهل لصغائر الأمور حتى يكتب لها الاستمرار والبقاء في وجه عواصف الحياة ومتغيراتها، كما تحتاج إلى أن ترتقي العلاقة بين الزوجين لمستوى الرشد والنضج والحكمة، وتجنب المقارنات فالمقارنات مجحفة وظالمة إذ يقارن الإنسان أسوأ ما لديه بأحسن ما لدى الآخرين، وعلى الأزواج أن يجدوا السبل الحكيمة والطرق اللطيفة في التعامل مع المشكلات وأن يحتكموا إلى أهل الاختصاص في حال عدم التوافق، وأن يجعلوا الهدي النبوي الكريم نصب أعينهم، إذ يقول- عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي رواه أبو هريرة: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ".

والحقيقة أنه مما يستحق الأسف والأسى هو أننا نجهل في كثير من الأحيان أقدار الأشخاص حينما يكونون بين ظهرانينا ولا نكتشف إلا متأخرين جمال أرواحهم وأنس عشرتهم حين تكون شمس العلاقة الزوجية قد أذنت بالمغيب (ولات ساعة مندم)، وإن من خطايا الإنسان الجسيمة في حق الحياة الزوجية أنه كثيرا ما يغفل عن مصادر السعادة التي لديه ويضرب في صحراء التيه باحثا عنها عند الآخرين، وعموما فلأولئك الذين تعذرت عليهم سبل الاجتماع والاستقرار وقارب مركب الحياة الزوجية على الغرق أهمس مذكرا بقول ذلكم الأعرابي ناصحا الخليفة العباسي المنصور: "إن التشفي من الآخرين طرف من العجز" وإن على كل من الزوجين أن يتجه إلى حيث قدّر له وليترك الماضي المرير خلفه، وعلى رأي الشاعر الألماني شيللر "حين يسقط البناء ويتغير الزمن تظهر حياة جديدة من بين الحطام".

فلعل في الأمر خير لا تعلمه، وليتذكر كل من الزوجين أن السعادة التي يحققها المرء لنفسه على حساب تعاسة وشقاء الآخرين هي سعادة منقوصة يكدرها الإحساس الدائم بالذنب والوخز المستمر للضمير وتصطدم بقوانين ونواميس الحياة ويختم لها بسوء العاقبة، كما لا يفوت في هذا المقام التذكير بأن لا يضيع الأبناء بين مطرقة وسندان الزوجين المتخاصمين وأن يرعوا الله في فلذات أكبادهما، على أنه دائما يبقى الأمل في الله كبيرا أن يجمع ما تفرق ويلم شعث ما تشتت، وصدق الله العظيم إذ يقول "إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا" (النساء، 35).

 

** مهتم بقضايا الإرشاد الوظيفي

تعليق عبر الفيس بوك