د. خالد بن حمد الغيلاني
@khaledAlgailani
العلاقة بين الرياضة والإنجاز علاقة توأمة، وعند أهل الفيزياء تعتبر علاقة طردية؛ بمعنى كلما زاد الاهتمام بالرياضة والبذل لها كان الإنجاز حاضرا بقوة، والرغبة الصادقة في تحقيق الإنجاز؛ هي الدافع وراء رقي الرياضة وانتشارها، كما إن ذلك هو السبيل لاستمرارها وديمومتها وهذا هو الفرق بين الرياضة هنا وهناك.
لا يخفى على أحد الاهتمامات المجتمعية والمتابعات الحميمية والعشق الذي يظهر من الكثيرين في كل العالم تجاه الرياضة بعمومها، ولعبة معينة بعينها، وبطبيعة الحال فإن الاهتمام برياضة معينة يختلف بحسب ميول وثقافة البلد؛ لكن لا خلاف أن كرة القدم هي الرياضة المتربعة على عرش كل الألعاب، وهي الأولى في قلوب الكثيرين، لذلك تحظى بحضور كبير جدا.
عموما فإن حديثي هنا ليس عن كرة القدم وشعبيتها، وإنما علاقتها وعلاقة غيرها من الألعاب بالإنجاز؛ والإنجاز مفهوم واسع يختلف بين شخص وآخر، بمعنى ما أراه أنا إنجازا قد يراه غيري أمرا عاديا، وهذا متعلق بحدود الإنجاز المرسومة، وخططه المعدة، وأهدافه المنشودة؛ فعلى سبيل المثال للتوضيح؛ هناك فرق بين من يرى بلوغه لأبطال أسيا إنجازا وبين من يرى تحقيقه لهذه البطولة هو الإنجاز.
وهنا يكمن الفرق بين صاحب الطموح العظيم، وبين صاحب الغاية القريبة التي يسهل بلوغها، ولكن لا جديد ولا إضافة معها. نعلم جميعا أن الرياضة اليوم لم تعد مجرد مشاركة وممارسة - ولو أننا حتى هذه المشاركة لم نبلغ غايتها بعد في ظل اعتذار العديد من الأندية عن المشاركة في الألعاب المختلفة - نعم لم تعد مجرد مشاركة، ذلك أن الهدف إن اقتصر على المشاركة فحسب إنما هو هدر للمال، ومضيعة للوقت، واستهلاك للطاقات، ومع هذا كله ضعف وخوار في العزائم لا يصح ولا ينبغي.
بعد أكثر من خمسين عاما ومع رعاية حكومية واضحة، وبذل من الجهات المختصة، وضخ مبالغ طائلة، ولا زلنا نتغنى بالمشاركة في بطولة ما، ونسعد لمجرد بلوغ دور أعلى من دوري المجموعات، ونهتف هتاف من لا هدف له ولا غاية في بلوغ المراتب العليا، والمراكز الأولى فهذا أمر لم يعد مقبولا، والصحيح أنه لا ينبغي أن يكون مقبولا أبدا.
إن لوطننا الغالي سبق وحضور مرموق في كثير من المجالات؛ إلا أننا في الرياضة لا زلنا دون مستوى الطموح والغاية التي يتمناها كل رياضي، ويرنو إليها كل عماني. إن تحقيق الانجاز الحقيقي لا يتم بالرغبات؛ وإنما يحتاج إلى عمل حقيقي، وإعداد دقيق، وخطة واضحة، فمثلا بلوغ نهائيات كأس العالم غاية ومرام، ليس صعبا مع العمل الجاد، وبعيد المنال مع ما نراه من واقع.
فكيف نبلغ الغايات، والأندية تعتذر عن المشاركة في المسابقات، ولعل ثالثة الأثافي أن يعتذر نادٍ عن المشاركة في مسابقة كأس مولانا السلطان، فهل يقبل أن يخط أحد الأندية خطابه معتذرا عن مسابقة لها مكانتها وأهميتها، وفيها ما فيها من أبعاد وطنية، ودوافع تنافسية؛ وهل يقبل العقل وبعد كل هذه السنوات من البناء وتوفير البنية الاساسية أن يأتي نادٍ من الأندية له حضوره وصفته وبخط قلم فيعتذر عن مسابقة رفيعة، والتي كان من الواجب أن تكون المشاركة فيها إجبارية.
كيف نبلغ الغايات وعدد المشاركين في دوريات المراحل السنية أقل من نصف الأندية المسجلة، وبالتالي حرمان المئات من الأبناء لعل من بينهم مواهب تستحق الاهتمام، ولها حظ عظيم، وحضور مجيد إن ظهرت وأعدت. كيف نبلغ الغايات ولا زلنا لا نعلم دورينا هل هو للمحترفين على الحقيقة أو له من ذلك الاسم فقط. كيف نبلغ الغايات دون خطى واضحة ومسار محدد.
إلى كل الاتحادات دون استثناء أقول: إن الإنجاز ليس مشاركة وبلوغ دور أعلى من دور؛ بل هو طموح للمعالي، ودرب للتتويج، وغاية نرتقي بها فوق كل منجز، ونرتفع بها فوق كل طموح. ولا نكون ممن ( وتعظم في عين الصغير صغارها)؛ بل نكون ممن ( وتصغر في عين العظيم العظائم). إن بلادنا تستحق منا كل بذل وعمل، ولو كان العمل تطوعيا فلا بد فيه من الإخلاص والعطاء والوفاء.
لقد أصبح لازما أن يقف المسؤول في كل اتحاد نعم كل اتحاد أمام مرآة يخاطب فيها نفسه؛ ويسأل هل قدمت ما يجب؟ ما التغيير الذي أحدثته؟ وما علاقته بتطوير الرياضة التي أشرف عليها؟ وهل أسير في الطريق الصحيح؟ وماذا ولماذا ومتى وكيف؟ وقبل كل ذلك هل أنا جدير بهذا العمل؟ هل أنا له؟ وهي ذات الأسئلة لكل مسؤول في الأندية، خاصة تلك التي لا عمل لها غير الاعتذار.
الغاية قريبة المنال، سهلة الوصول، لمن رام المعالي، وتعوّد على صعود الجبال، وصعبة عسيرة مستحيلة لمن ( وعاش أبد الدهر بين ....)، ونافلة القول؛ لا بد من وقفة صادقة، ولا بأس من جلد للذات من أجل تصحيح المسار، وتعديل الطريقة، وتطوير العمل وفقا للغايات العظيمة، وليكن العمل تكامليا، وتحية إجلال وإكبار لكل قلم حر يضع عمان أمامه ونصب عينيه، وليكن منذ الساعة نعم لكل عمل رياضي حقيقي، نعم لتفعيل دور الوزارة وحوكمتها بشكل أكبر، نعم لكل من بذل جهده، وسعى سعيه المحمود لخدمة الوطن والسلطان وأبناء عمان.