علي بن بدر البوسعيدي
يومًا تلو الآخر تصلنا أخبار زملاء سابقين وكفاءات وطنية زاخرة بالعطاء، تفيد بأنهم أحيلوا إلى التقاعد مع سريان التشريعات الجديدة، التي حددت سن التقاعد عند 30 سنة في الخدمة، ما تسبب في خروج الآلاف من الكفاءات وأصحاب الخبرات من سوق العمل، مخلفين وراءهم فراغًا كبيرًا، لن يتم تعويضه في قادم الوقت؛ بل ربما يستغرق الأمر سنوات طويلة من أجل استعادة مثل هذه الخبرات.
والواقع يشير إلى أن القانون جرى تطبيقه دون تأنٍ، فقد تضررت قطاعات متعددة في بلادنا؛ إذ لا يمكن أن يُتصوَّر أن يُحال أستاذ جامعي إلى التقاعد، أو طبيب أو مهندس أو كاتب صحفي، فهؤلاء مثل الذهب كلما تقادموا في العمر زادت قيمتهم الأدبية والمعرفية والحياتية، وكان الأولى أن يُترك المجال أمام هؤلاء للاختيار بين التقاعد- ولو جزئيًا- وبين مواصلة العطاء بكامل طاقتهم وإبدعاتهم.
الآن نتحدث عن تدريب الشباب المقبل على سوق العمل، فمن سيتولى عملية التدريب ونقل عصارة الخبرات التي استمرت لعقود طويلة وعاصرت العديد من الأزمات؟ حيث إن وجود الكفاءات التي أحيلت للتقاعد كان سيسهم في تسليح الشباب الجديد في الوظائف بالخبرات اللازمة، التي تساعدهم على حل المشكلات والتعاطي مع التحديات وتقديم أرقى مستوى من الخدمة للمواطن. ولا شك أن الخبرات المتعددة التي تشكلت لدى المتقاعدين ينبغي الاستفادة منها، لكن كيف نستفيد منها بينما هم خرجوا من الخدمة وكأنهم مطرودين منها!
فمن المؤسف أن نسمع قصصًا عن أشخاص أحيلوا للتقاعد لم يتلقوا كلمة شكر واحدة من أي زميل لهم، بل لم يقم رئيس الوحدة بتكريمهم ولو على سبيل التكريم المعنوي وليس المادي، وأنا هنا لا أتحدث عن مكافأة نهاية الخدمة الضئيلة ولا عن المعاش التقاعدي الذي لا يكفي فواتير الكهرباء والمياه والوقود لأسرة واحدة؛ بل أشير بوضوح إلى حالة الإنكار التي تعرض لها المتقاعدون من الجميع.
هذا يدفعنا إلى التفكير جديًا في إنشاء جمعية للمتقاعدين، أو نقابة لهم، أو نادٍ اجتماعي، باشتراك رمزي، من الموظفين والمتقاعدين على حد سواء، وبدعم ورعاية من مؤسسات الدولة العامة والخاصة في إطار مسؤوليتهم الاجتماعية، بحيث تقدم هذه الجمعية أو النادي خدمات اجتماعية وترفيهية بالمجان أو برسوم يسيرة جدًا لفئة المتقاعدين، فهذا أكرم لهم.
وختامًا.. إنني أناشد مختلف الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل، من أجل التفكير جديًا في إنشاء هذه الجمعية أو النادي، حتى ينعم متقاعدونا بالاستقرار الاجتماعي والتكريم المعنوي بعد رحلة عطاء في خدمة الوطن العزيز.