التقادم في القانون

حمود بن سيف السلماني **

يُقصد بالتقادم هو مضي المدة، أي سكوت الشخص بالمطالبة بحقه خلال مدة حددها المشرع، وبسكوته عن المطالبة يسقط حقه فيما بعد تلك المدة بالمطالبة بحقه قانونًا، وحيث أن المشرع قد حدد مدد التقادم وفقًا لطبيعة الحقوق المطالب بها، والغاية من ذلك هو الحفاظ على استقرار التعاملات بين الأفراد، والأسراع في المطالبة بالحقوق، حتى لا يحصل أي تغيرات أو نسيان في وقائع المطالبة، بمعنى آخر خوفًا من فقدان أحد الأطراف الأهلية القانونية أو الشرعية، أو وفاة أحد الأشخاص، هذا من جهة، و من جهة أخرى احتمال اندثار الأدلة التي تثبت الحق بعد مضي سنوات طويلة أوجب الأخذ بهذا المبدأ، فإذا كانت وسيلة إثبات الحق هي الشهود فبعد سنوات طويلة ستكون ذاكرتهم قد تأثرت بشكل كبير في استحضار الواقعة المراد إثباتها، هذا في حال كانوا على قيد الحياة، وغيرها من الأسباب التي قصدها المشرع بوضع تلك المدة.

والكثير من الأشخاص أو الأفراد لا يعلمون عن تلك المدد المسقطة للحقوق، ويتراخون في المطالبة بحقهم أمام القضاء، ويتفأجؤون فيما بعد بسقوط حقهم بالمطالبة، وهم في أشد الحاجة لتلك الحقوق، والتي أغلبها تقدر بمبالغ كبيرة جدًا.

ومن الأمثلة الشائعة في وقتنا الحاضر الحقوق العمالية؛ حيث إن العمال يعملون بجهد واجتهاد في بعض الشركات، وقد يحدث أن تتقاعس الشركة عن تسليم العامل بعض حقوقه مثل استقطاع راتبه، أو بدل العمل الإضافي أو الإجازة السنوية أو بدلها، أو أي حق من الحقوق الخاصة بهم، وبحكم العلاقة الطيبة التي تربط العامل بالشركة، فإنه يتراخى أو يشعر بالخجل في المطالبة بتلك الحقوق، وتمضي السنوات على العامل، دون المطالبة بتلك الحقوق الخاصة به، وفي حالة حدوث نزاع بينه وبين الشركة، فإنه يقوم بالمطالبة بتلك الحقوق والتي قد يكون مضى عليها مدة أكثر من سنة وبعضها سنوات كثيرة، الأمر الذي يكون حقه قد أضاعه بنفسه عندئذ، وذلك استنادًا على نص المادة (7) من قانون العمل والتي نصت (يسقط حق العامل في المطالبة بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون بعد انقضاء سنة من تاريخ استحقاقه...)، إلا أن الكثير من العاملين في الشركات يتراخون في المطالبة بتلك الحقوق، وبعضهم يصل بهم الأمر إلى عدم توثيق و تديون تلك الحقوق حتى يتمكنوا خلال المدة من المطالبة بتلك الحقوق وتكون واضحة ويمكن تحديدها تحديدًا نافيًا للجهالة.

هذا بالنسبة إلى حقوق العمال، واذا تكلمنا في العقود التي يحصل فيها الغبن والتغرير، فإن الحق في رفع الدعوى بالفسخ يسقط بموت المغرور أو المغبون أو بالتصرف في المبيع أو استعماله وذلك بعد العلم بالغبن الفاحش أو التغرير، وبالنسبة للدعوى بالفسخ بالتغرير فإنها لا تسمع بعد مضي شهر من تاريخ العلم به، وسنة من تاريخ العقد بالنسبة لدعوى الغبن الفاحش.

ونلاحظ أن المشرّع قلل مدة رفع الدعوى بالنسبة إلى التغرير وجعلها مدة شهر فقط، وذلك حماية للمغرور، للإسراع في تقديم الدعوى والمطالبة بحقه، تفاديًا من حدوث أي شيء له أو للطرف الآخر كالوفاة أو غيره.

وبالنسبة إلى دعوى بطلان العقود فإنها لاتسمح بمضي خمسة عشر سنة من تاريخ إبرام العقد، والمشرع هنا أطال مدة رفع الدعوى للبطلان، وذلك حماية للمتعاقدين، ولاستقرار العقود بين الأطراف.

كما نجد أن المشرع قد وضع بعض الشروط في تحقق بعد الضمانات التي يتوجب على الصانع عملها مثل المقاول والإستشاري حيث إنه جعلهما متضامنين في ضمان العيوب الناشئة عن البناء لمدة عشر سنوات من تاريخ تسليم البناء، بشرط أن يطالب المالك بإصلاح تلك العيوب والأضرار خلال ثلاث سنوات من تاريخ ظهور العيوب والأضرار في البناء، وإلا سقط حقه في المطالبة بالضمان، والغاية من ذلك، هو حماية للمالك من تفاقم العيب بالإضافة إلى حالة إصلاح العيوب والأضرار مباشرة فإنها تقلل من الجهد والتكلفة والوقت في إصلاح تلك الأضرار.

هذا الشرح المبسط في التقادم بالنسبة إلى الدعاوى المدنية والتي تم ذكر أمثلة بسيطة جدًا فيها، كما إنه يوجد مبدأ التقادم في الدعاوى الجزائية التي ترفع من المجنيّ عليه، أو الادعاء العام، فالتقادم شرع كذلك حماية للأفراد من التعسف في استعمال الحق، ويجب على من شرع له التمسك بالتقادم، أن يدفع به مباشرة لأنه حق خاص به، ولا يمكن أن تدفع به المحكمة من تلقاء نفسها بالنسبة إلى التقادم في المطالبات المدنية.

** محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك