د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **
فرح المشككون في القرآن الكريم وهللوا بالعثور على مخطوطات صنعاء القرآنية وظنوا أنهم وجدوا مطعنًا في القرآن وأشاعوا: كتابكم الذي تتعبدون به أيها المسلمون أصابه التحريف الذي أصاب الكتب السماوية، استنادًا إلى الفرضية التخمينية للمستشرق الألماني غيرد بوين- الخبير في المخطوطات القرآنية- والذي كان موكلًا بفحص مخطوطات صنعاء في الفترة 1981- 1985 واكتشف نصوصًا قرآنية تخالف القرآن المعروف.
ما حقيقة مخطوطات صنعاء؟
في عام 1972 وخلال ترميم الجامع الكبير بصنعاء، أحد أقدم المساجد في العالم، عثر العمال على مجموعة من المخطوطات القرآنية وغير القرآنية في الدور العلوي للجامع، هي بقايا مكتبة قرآنية قديمة. وفِي بداية الثمانينيّات دعا مدير إدارة الآثاراليمنية، ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ إسماعيل الأكوع خبيرين ألمانيين: الدكتور جريد بوين وغراف بوتمر، لترميم المخطوطات وصيانتها، ذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية.
وجدت آلاف من المخطوطات والرقاع الجلدية كتبت بالخطين الحجازي والكوفي وغيرهما من الخطوط غير المنقوطة، يعد بعضها من أقدم النصوص القرآنية الباقية مع عدد من المخطوطات التاريخية يرجع تدوينها إلى القرون الثلاثة الأولى للهجرة، منها (طرس) قرآني- 80 ورقة- صار محل اهتمام العلماء والباحثين نظرًا لطبيعته الفريدة، كونه رقًّا جلديًّا يحمل خطين: خط أصلي أخفي بالحك أو الغسل، لنسخ خط جديد، وكلاهما نصوص قرآنية، لكن النص التحتي يرجع إلى فترة مبكرة من القرن الأول الهجري؛ لأنه بالخط الحجازي الشائع في ذلك العهد، أما الفوقي فيرجع للقرن الثاني.
ما فرضية بوين؟
عكف بوين على دراسة هذه المخطوطة المكونة من خطين -والتي عرفت فيما بعد بطرس أو مصحف صنعاء- عدة سنوات وتوصل إلى فرضية تطور النص القرآني عن النص الأصلي القديم.
لكن كيف بنى فرضيته؟
توصل بوين إلى أن الخطوط الفوقية تتوافق مع المصحف العثماني، وأما السفلية التي تم مسحها- مع إمكان قراءتها بالأشعة فوق البنفسجية - فتحتوي على اختلافات في النصوص، وفِي ترتيب السور يخالف الترتيب القرآني المعروف، وهذا ما دفعه إلى استنتاج أن قرآننا يخالف القرآن المعروف في زمن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام.
كانت الحكومة اليمنية حظرت إعطاء تصريحات للصحافة لحين انتهاء الترميم لكن بوين أدلى بتصريح لمجلة The Atlantic الأمريكية أوضح فيه أن الخط السفلي للطرس الصنعاني دليل على أن القرآن ليس ثابت النص كما يعتقد المسلمون .
المسؤولون علقوا التعاون معه، مع استمرار العمل مع زملائه الآخرين الذين درسوا كافة المخطوطات، منهم الخبيرة أورسولا دريبهولتز التي أنهت المهمة نهاية 1989.
وأشاع بوين أن الحكومة اليمنية أوقفت الأعمال الموجهة لدراسة المخطوطات خوفاً من حدوث بلبلة في العالم الإسلامي (وهو اتهام تراجع عنه في خطاب اعتذار للقاضي الأكوع)، كما استمرت بعثات إيطالية وفرنسية في المجيء عام 2007 والمشاركة في دراسة وتصوير هذه الرقاع الجلدية (الطروس) بدون أي خوف أو حرج، كما جاءت الخبيرة بالمخطوطات القرآنية الباحثة التونسية أسماء ﺍﻟﻬﻼلي عام 2012 ونشرت كتابها "طروس صنعاء.. نقل القرآن خلال القرون الأولى" في عام 2016، من منشورات أكسفورد، وذلك بعد دراسة استمرت 8 سنوات.
هذه المخطوطات محفوظة بدار المخطوطات ومتاحة للجميع؛ بل هي مصورة ومنشورة عبر كافة المنصات الرقمية والورقية، ولا يوجد لدى المسلمين ما يخشونه على كتابهم بعد التعهد الذي أنزل: "وإنا له لحافظون".
على أن بوين لم يكتف بتصريحاته السابقة فأعادها جذعًا، فقام في عام 2015 بعمل مقابلة مع الأخ رشيد، وهو مغربي من عائلة مسلمة سلفية ترك الإسلام واعتنق المسيحية وأصبح داعية ضد الإسلام، على قناة الحياة المسيحية المعروفة بيمينيتها وشدة عدائها للإسلام، وأعاد سرد فرضيته التخمينية لمسألة تطور النص القرآني عبر الزمن والداعمة لمزاعم المستشرقين الآخرين: (وانسبرة، كرون، كوك، نيفو، بيلامي) من أن القرآن الذي بين أيدينا تطور عبر زمن طويل ولم يكن كتابًا منزلًا من السماء.
الردود على فرضية بوين:
وُجهت تصريحات بوين بردود وانتقادات كبيرة سواء من الوسط الأكاديمي العالمي أو الأوروبي والأمريكي أو العربي، نوضحها في المقال القادم إن شاء الله.
** كاتب قطري