مدرين المكتومية
عندما كنّا صغارًا، ظلت الأحلام تلازمنا بأن نكبر، لكننا عندما كبرنا، تمنينا لو أنّ الحياة تعود بنا إلى تلك المرحلة الجميلة، عندما كان أكبر همّنا الحصول على 50 بيسة لشراء الحلوى، أو الظفر بلعبة كهدية عند النجاح في الامتحانات... فلقد أدركنا الحقيقة المُرّة؛ الحياة صعبة!
بالفعل الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب، حُبلى بالأوجاع والآهات، متخمة بالضجر واليأس. الأمر أشبه برحلة لا تتوقف عن الوصول إلى شواطئ الاستقرار النفسي والعاطفي وكل استقرار نستطيع الوصول إليه، وخلال هذه الرحلة نستكشف ذواتنا ونغوص في أعماق أنفسنا لنضع أيدينا على مواطن الضعف والقوة، غير أن ما يعتصرنا أننا ندرك مدى ضعفنا البشري، وأننا لا نقوى على تحمل الآلام التي تقذفها علينا الأيام واحدًا تلو الآخر!
الحياة باختصار عبارة عن مزيج من المشاعر المختلطة، والأحاسيس المتباينة، وعلينا أن نواجهها بجرأة وإرادة، واضعين نصب أعيننا أننا خلقنا في هذه الدنيا من أجل أن نكد ونعمل بكل تفانٍ وإخلاص، وألّا نتوقّف؛ لأننا إذا توقفنا سنتأخر، وسيتقدم علينا غيرنا، وسنظل في مؤخرة الركب، ولن نحقق يومًا ما نصبو إليه من تطلعات مشروعة.
ولذا علينا أن نتجاوز كل ما يمر بنا، وهذا التجاوز لا يقتصر على الألم والحزن وحسب؛ بل علينا تجاوُز كل ما من شأنه أن يعكِّر صفو حياتنا وكل لحظة فيها، ويؤثّر على تقدمنا نحو ما نسعى له من أهداف ومشاريع مستقبلية. علينا أن نتجاوز البشر الذين لا يبادلوننا علاقات الود والمحبة، فمثل هؤلاء يعانون من أزمات نفسية داخلية، فهم غير قادرين على قول أي كلمة جميلة، ولا يستطيعون التعبير عن أي مشاعر إيجابية، ولا يملكون أي رغبة في العيش بسعادة، هؤلاء يعانون في داخلهم، لذلك لن يعيشوا الحياة كما يجب أن تُعاش!
وأسوأ أنواع هؤلاء، أولئك الذين يتربصون بالناس سلبياتهم ويذكّرونهم بالتفاصيل المؤذية، لذا علينا أن نتجاوزهم ونتخطاهم بالتجاهل وعدم الاهتمام، وألا نلتفت لهم أبدًا، علينا أن نتبع قاعدة التجاهل والتجاوز والابتعاد عن كل ما هو مؤذٍ.
وأي إنسان في هذا الوجود لا يمكنه العيش بمعزل عمّا يحيط به، لكنه يمكن أن يصنع لنفسه "غطاءً" و"حاجزًا" عن أي موقف أو شخص يريد أن يقتل السعادة، ولذلك علينا أن نتعلم كيفية صناعة السعادة، وأن تكون السعادة مشروعًا نسعى إلى تحقيقه، كغيره من المشاريع الحياتية التي نخطط لها، حتى نصل في نهاية المطاف للحظة نقف عندها ونقول بكل يسر: "مرّت السنوات دون أن نشعر بها.. مرت كلمح البصر.. مرت وتركت معنا ذكريات جميلة نواصل العيش بها".
إننا عندما نتجاوز يعني أننا نكتب لأنفسنا أملًا جديدًا.. فرصة مميزة.. حياة ثانية. عندما نتجاوز نكتشف كم كُنّا معرضين لمشاعر البؤس، لو أن أجمل لحظات عمرنا رحلت في غيابات الحزن وأنفاق الألم المظلمة، نحن لن نعود شبابًا أكثر من هذه اللحظة التي نعيشها، ولن نعود أصغر سنًا من هذه الفرصة المتاحة لنا الآن، ومع ذلك نكتفي في كثير من الأحيان بمشاهدة لحظات عمرنا وهي تمر دون أن نصنع منها ما يُضاف لرصيد الغد. نحن لا نشعر بقيمة أي لحظة إلا عندما ننتهي منها؛ لذلك علينا أن لا نجعل اللحظات السعيدة تنتهي دون أن تكون قد تحققت كما نريد، ولا نسمح لأي شيء أن يعيقنا وأن يضعنا عند مفترق طرق لأننا نعلم أيها نسلُك. علينا أن نحافظ على صُنع البدايات الجديدة دائمًا وأبدًا، وأن نتجاوز اللحظات الحرجة، وأن نبتعد إلى الأبد عمّن يجهلون قيمتنا، وأن نتعلم كيف نبتسم للقادم من الوقت.
إن التجاوز فكرة رائعة على الرغم من صعوبة تطبيقها، لكنها الحل المريح.. الحل الذي يمكنه أن يُغيّر كل شيء، ويعمل كالسحر في البدء نحو الطرق الصحيحة للعيش في سلامٍ.
قد يجد البعض فيما أقول ضربًا من المثالية أو التفاؤل الزائد عن الحد، لكنني أقول إنه الإيمان بأن الذي خلقنا لإعمار الأرض، لا يريد لنا العيش في البؤس والكآبة؛ بل أمرنا أن نسير في الأرض لكي نتعلم، وأن نواجه الصدمات والتحديات وأن نصبر على الناس والظروف العصيبة... لأننا سنكتشف في نهاية الرحلة أن المتعة إنما كانت في المسيرة، وليست في الوصول إلى نقطة النهاية!