صاحبة السمو.. والحديث الصريح المسؤول

 

مريم الشكيلية

استوقفني حديث من نوع آخر وأنا أستمع إلى موضوع مهم جدًا، ألا وهو ندوة عن "التأتأة" أقيمت تحت رعاية صاحبة السمو السيدة الدكتورة تغريد بنت تركي آل سعيد، وفي الحقيقة أنا من أشد المعجبات بحضور صاحبة السمو لمثل هذه الندوات واللقاءات والمحاضرات؛ فهي متحدثة غاية في العمق واللباقة، يشدك حديثها الممزوج بين التواضع والعمق والمصداقية.

وقد تابعت لها شخصيًا عدة لقاءات وحوارات فسمُّوها متفاعلة جدًا مع قضايا المجتمع بشكل مدهش يأسر المستمع.. وحديث سموها في الندوة عن تجربتها الشخصية مع (التأتأة) والتي استعرضت فيها تجربتها الشخصية مع معاناة ابنها، فقد أشعرتني وجميع الحضور بعمق المعاناة والأهمية التي تواجهها الأسر، والتحديات التي تخوضها مع أبنائها الذين يعانون، فلقد كانت نبرة صوتها مزيج من التأثر والمسؤولية.

فقبل قرابة شهرين من الآن تابعت برنامج وثائقي في إحدى المحطات التلفزيونية عن التأتأة وكان عنوانه "تأتأتي الجميلة"، فلقد كان برنامجا مترجما استطاع أن يشدني نحو متابعته حتى آخره، فقد تناول أزمة "التأتأة" والمعاناة التي لربما كثيرون منا لا يدركونها، وربما قد تصل إلى حد انسحاب وإنطواء الشخص من الحياة الاجتماعية، والدخول إلى قوقعة مظلمة وكأنه في عداد الأموات وهو يتنفس، وكم يؤسفني أن أقول إن مثل هذه الجهود لا تزال خجولة عندنا، وإننا في حاجة إلى بذل المزيد من العمل المتكاتف لمواجهة هذه الأزمة، ولقد كانت فكرة إقامة هذه الندوة بمثابة إخراج لأزمة التأتأة التي يعاني منها العديد من أطفالنا من صمت الأدراج إلى ضوء الحضور الفاعل ووجوب التوعية المجتمعية حول كيفية التصدي لها، وأعتقد أنها نجحت في التعريف بها ومآلاتها حتى نخلص أبناءنا وبناتنا من قيدها وثقلها النفسي قبل كل شيء.

إن الأمر يصبح صعبًا ومعقدًا عندما لا تكون الأسرة التي تحتضن طفلا متأتأً لا تمتلك وعيا كافيا لمساعدة الطفل على مواجهة هذه الحالة والعمل على التغلب عليها، وقد تلجأ هذه الأسرة إلى أساليب خاطئة للعلاج من قبيل علاجات فك الحسد أو العين لاعتقادها أن ابنها أصيب بعين أو شيء من أمثال هذه الترّهات، والبعض يحاول التكتم على الأزمة إلى أن تتفاقم المشكلة وتزداد المعاناة لا سيما وأن بعض المدرسين لا يجيدون التعامل مع هذه الأزمة فقد يعاتبون الطفل على تلعثمه في تقديم الإجابة، أو ينقصون من درجاته، ومما زاد الطين بلة أن كثيرا من المدارس لا تمتلك نهجا تربويا لحماية أطفال التأتأة من التنمر والاستهزاء، هذا كله يدفع بالطفل إلى المجهول ليس دراسيًا فحسب وإنما حتى مجتمعيًا وإن تأخر الأمر - لربما لا قدر الله - أن يسلك طريق الانتحار لإنهاء حياته.

إنني- من خلال هذا المقال- أُجددُ الدعوة والمناشدة إلى الجميع دون استثناء وإلى شرائح المجتمع كليةً إلى أخذ موضوع التأتأة بشكل جدي والإسراع إلى عمل ما هو مطلوب من وعي مجتمعي من خلال تكثيف الجهود لنكون عونا لهؤلاء الأبناء الذين يعانون بمفردهم ومع عائلاتهم حتى نعيد ثقتهم بأنفسهم ونعيدهم إلى الاندماج في المجتمع ومحيطهم.. وأتقدم بالشكر الجزيل لصاحبة السمو الدكتورة السيدة تغريد بنت تركي آل سعيد لشجاعتها في الحديث كأمّ عن تجربتها مع معاناة ابنها، واسأل -الله تعالى- أن يعينها هي وأمثالها على تجاوز هذه المحنة فليس من السهل أن يتحدث الإنسان عن معاناته وخصوصيته أمام الجميع إلا لشعوره بأهمية ما يتحدث عنه، وأحييها بأجمل العبارات وأعمقها، وأشد على فريق منصة "عيون" الرقمية الذي نظم الندوة واستضافها بنك عمان العربي في مبناه الرئيس، بالتعاون مع مبادرة "اسمعني" وألفت النظر إلى الجهود التي بذلها الجميع لمساعدة المتأتئين والأخذ بأيديهم، ولقد كانت هناك لفتة تستحق الإشادة من مؤسسة الحبيب العقارية على تكريمها للمشاركين وتحفيزها لهم لبذل المزيد من الجهد؛ فهؤلاء الجنود المجهولون الذين يحتاجون بين فترة وأخرى إلى من ينتبه لأنشطتهم التي يعكفون عليها بلا مقابل، كما أرجو أن تستمر كل جهة في أداء رسالتها الاجتماعية الهادفة؛ فهذه مرحلة تضافر الجهود التي يتطلبها الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك