معاوية الرواحي
سنواتٌ من الجدالِ في الواقعِ العُماني، كهنةُ الصمتِ يدافعونَ عن موقفهم؛ فهم يعتبرون الكلام خطرًا؛ بل ويغالون في وصف المجتمعِ بأنَّه غير جاهز لحرية التعبير، وقد يتشنج فيقول: هذه المجتمعات العربية لا ينفع معها الحرية! وهذا المنطق السقيم مردود عليه، فضلًا عن كون قائله غير مُقنع، ولا يخلو مثل هذا المنطق من القبح، والاستعلاء، واحتقار الآخرين، وتجاهل حقوقهم، وأضف إلى ذلك كسل قائله العقلي، وخوفه من الحقائق، وتقديسه للصمت الذي يخفي كل العيوب والسوءات ويسمح بكل أشكال الخطايا في حق العموم، وفي حق الأفراد.
بعدَ سنوات من الحذرِ والتربص، تغير واقع إمكانية التعبير عن الرأي، مع تحسن طفيف للغاية في أداء المؤسسات الإعلامية، وتحسن آخر كبير وملحوظ في وسائط التعبير الإلكترونية. تتخلقُ مع الوقتِ عينُ الرقيب الاجتماعي الفرد، وتصنع واقعًا رقابيًا ينقلُ الواقع، ويسمحُ للباحث عن الحقيقة، وآراء الناس، وموقفها أن يقرأها مباشرة دون وسطاء. وعلى الجانب الآخر هُناك حالةٌ من الهلعِ تتجلى في بعض الذين مهام عملهم تتعلق بالشؤون العامَّة، فهم أوَّل من يمارس دور كهنة الصمت، فهو الذي يحميهم من النقد، مُخفيًا أخطاءهم، ومحاربًا في سبيل تعزيزهم الوهم الكبير: أنهم يقومون بعملهم على أكمل وجه! وهُنا لبُّ المعضلة.
إن خطابًا سلبيًا مُنقصًا من كل شيء سيءٌ مثل الخطاب المُبالِغ في النظرة الوردية، والذي يعتبر كل شيء قد وصل لحدود الكمال، وأنَّه ليس بالإمكان أفضل مما كان، كما تقول العبارة/ العلكة الشائعة! أما الواقعُ الجديد والذي يمكن رصده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد استفادَ من التجربة الماضية في السنوات الأخيرة، وبدأ يتجلى الدور التنظيمي للقانون، الذي اختلفنا معه، أو اتفقنا فهو ينطبق على الجميع، وخارجَ بعض الحوادث القليلة، نستطيع أن نقول إن لسان الرقيب الاجتماعي ومنصاته الفردية، قد بدأت في صنع ظاهرة العقل النقدي الاجتماعي، وهذا التبلور الذي تتراكم خبراته مع الوقت يقودُ إلى نحت مفاهيم جديدة في العلاقة بين الفرد ومجتمعه، وإلى صناعةِ بقعة ضوء تمنع كثيرين من استغلال مظلة الصمت لإخفاء أخطائهم، وخيباتهم، بغض النظر عن نوعية هذه الخيبة، حتى وإن كانت متعلقةً بمشروع تجاري، أو بحديقة عامَّة وغيرها من الشؤون الشعبية. لقد أصبحت الشركات تحسب ألف حساب قبل أن تقدم خدمات احتكارية سيئة، أو قبل أن تتهور في تسريح عدد من الموظفين العُمانيين، نعم قد يقول قائل: هُناك ثغرات تسمح لهم بذلك، ولكن في المقابل هُناك رفعٌ لسقف الحوار، ويحدث ذلك في العموم الكبير، العموم الاجتماعي إن لم يكن ضمن سياقات أخرى.
ينشغل كثيرون بتقييم واقع الحريات التعبيرية، وفق معطيات سياسية، أو قانونية أو حقوقية، وينتبه البعض الآخر إلى القيمة الاجتماعية لهذا الجهد الذهني العام، فأمام عدسة الرقيب الاجتماعي، ووسائله، وميادينه، وصوته الهادر، وفيضان الكلام، والمشاعر التي يمكن الإحساس بها في يوم الرأي العام العُماني، كُل شيء يمضي إلى طريقٍ أجمل، ولن يحدث ذلك دون منغصات أو أخطاء، ولكن ما دمنا كعمانيين نتعلمُ من كل تجاربنا، فإن اللغة ستنصفنا كلنا، وعندما تكون عُمان هي المُحتكم الكبير، والرغبة في الخير للمجتمع، وللناس هي أساس الكتابة، نستطيع أن نقول: شكرًا للرقيب الاجتماعي الذي جعل مهمة المخطئين أكثر صعوبة، والذي يصنع كل يوم ستار حماية ضد الاستهتار، والإهمال، وربما ما قد يكون خطايا أخرى أشد وطأة من أن يتصدى لها هذا الرقيب وحده.