حفظ المخطوط العماني

خالد بن خميس المويتي

الحديث عن المخطوط العماني حديث يحيي الهمم والعزائم للحفاظ عليه والاهتمام به، وهو شأن عالمي، لما لهذه المخطوطات من دور بارز في حفظ إرث وتراث الأمم على مر العصور، وسلطنة عمان ليست بعيدة عن مثل هذا الحرص على حفظ وصيانة وطباعة المخطوطات.

وقد بارك ذلك حرص السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- من خلال إنشاء وزارة للتراث القومي والثقافة، وهي تحمل الآن مسمى وزارة التراث والسياحة؛ حيث تهدف الوزارة إلى العناية بالآثار والمتاحف والمباني التاريخية، وصيانتها وتوظيفها والاهتمام بجمع المحفوظات والوثائق، وحمايتها من التلف والضياع، باعتبارها جزءًا من مفردات التراث العُماني. وإن من أبرز الجهود الرسمية في حفظ المخطوطات هو إنشاء هيئة خاصة تعنى بذلك تحت مسمى "هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية" وهي تتبع مجلس الوزراء وتتمتع بالشخصية الاعتبارية وتعنى بتنظيم وإدارة الوثائق والمحفوظات؛ حيث تتولى الهيئة بصفة أساسية تطوير مجال الوثائق والمحفوظات وجمع أرصدة ومجموعات المحفوظات وترتيبها وحفظها حماية للتراث الوطني العماني وجمع وحفظ الوثائق المتعلقة بالدولة في الخارج وتمكين المستفيدين من الاطلاع عليها.

لقد اهتم العمانيون منذ القدم بتدوين الكتب العلمية والدواوين الشعرية وذلك توثيقًا للحقب والعصور التي عاشوا فيها وإيمانًا منهم لأثر ذلك في ربط الحاضر بالماضي وتواصلًا للتدوين العلمي وربطًا للأحداث، ومن هنا برز دور الأهالي في حفظ المخطوطات والسعي إلى تحقيقها وصيانتها وطباعتها  وليس أدل على ذلك العدد الكبير للمكتبات الأهلية في سلطنة عمان. ومعرض الوثائق والمخطوطات بولاية وادي المعاول هو أحد الدلالات الواضحة لهذا الاهتمام المجتمعي والأهلي، وهو تحت مظلة مكتبة الرسالة العامة، ويقع المعرض في منطقة أفي بولاية وادي المعاول إحدى ولايات محافظة جنوب الباطنة.

بداية الفكرة

ما شاهده ولمسه المؤسس والمشرف على المعرض أن أغلب البرامج المتلفزة تقتصر على ذكر أسماء القلاع والحصون وبعض الافلاج والعيون ولا تسلط الضوء على تراث الولاية العلمي وهو الأصل في حال الحديث عن التراث والثقافة، فأخذ على عاتقه البحث والتقصي لإشهار الإرث الثقافي الحقيقي للولاية ، وقد وجد لدى بعض أبناء الولاية من كتب في ذلك إلا أن تلك الكتابة لم تكن موسعة وهي للمختصرات أقرب، فأحب أن يكمل تلك الجهود لتظهر بشكل موسوعي .

التأسيس

تأسست اللبنة الأولى للمعرض في عام 2006 وكانت الغاية الأساسية منه حفظ وتوثيق كل ما يتعلق بعائلة حمد بن سيف بن حمد بن سليمان بن سالم بن خلف بن سعيد البلحسني الأفوي المعولي ، وبإشراف بدر بن سعود المعولي، أي أن أصل الفكرة أسري صرف، ولكن أشار عليه شباب الولاية ومثقفوها أن توسع الفكرة لتشمل كافة الولاية وقد أبدوا استعدادهم لرفد المعرض بما لديهم من وثائق ومخطوطات .

أهداف المشروع

ويهدف هذا المعرض إلى التوثيق والكتابة عن تاريخ الولاية وأعلامها ومعالمها والتعرف على النتاج العلمي المتمثل في المخطوطات وجمعها والحفاظ عليها وترميمها وتسجيلها في الجهات ذات الاختصاص، وربط الحيل المعاصر بتراث الآباء والأجداد،  مع إتاحة الفرصة لهم لزيارة هذا المعرض في مقره ببلدة أفي ولاية وادي المعاول، وإمكانية متابعة كل ما يتعلق بالمعرض من خلال حساب المشرف العام بموقع التواصل الاجتماعي تويتر .

ويحتوي هذا المعرض بعض البحوث القيمة كبحث الإمام الخليلي والمعاول وبحث يتعلق بأفخاذ وبطون المعاول، وبحث الإبحار في رسائل زنجبار وبه المراسلات التي كانت بين أبناء الولاية وأهليهم الذين هاجروا إلى زنجبار، وبحث حول الأسر المعولية المنتشرة في السلطنة بين وادي المعول وبركاء وسمد الشأن وغيرها، المعرض بدأ فعلًا في تخصيص أركان خاصة ببعض أعلام الولاية تضم هذه الأركان كل الوثائق المتعلق بهم من مراسلات وصكوك؛ بحيث يكون هذا الركن مرجعًا مباشرا لهذا العلم، ولسهولة مراجعة أي وثيقة يحصل عليها مستقبلًا؛ فالعمل لم ينتهِ والبحث لم يتوقف، ومن المتعارف عليه في سلطنة عمان وجود تجمع أسري للقبائل، وهذا يسهل معرفة الأعلام وامتداد أسرهم فيستمر التواصل معهم حول أي مخطوط أو وثيقة يمكن الحصول عليها ، وكذلك التواصل مع أسر كتاب المخطوطات والصكوك من ذوي الخطوط المميزة حيث إنهم كانوا مقصد الأعلام ليكتبوا لهم .

بداية المشروع

بدأ القائم على المعرض بمخطوطات الأسرة ووثائقها من مراسلات والتي كانت بحوزة أبيه، والسعي لنسخها وتصويرها وحفظها بالتغليف الحراري والذي يعتبر بدائيًا، ولكنها البداية التي لفتت أنظار المثقفين والمتعلمين من أبناء المنطقة، وسعيهم لرفد المعرض بما يستطيعون من وثائق ومحفوظات بل تشجيع الأسر إلى المساهمة في ذلك، مع القيام بزيارة المساجد القديمة وبعض بيوتات الطين والحصول على بعض النسخ من المصاحف والكتب.

الصعوبات والتحديات

إن من أبرز الصعوبات لدى الباحثين عمومًا في الإرث الثقافي والحضاري للشعوب أنهم يصدمون بتكتم معظم المواطنين وإحجامهم عن التعاون معهم، بل يصل بهم الأمر إلى إنكار وجود أي وثائق أو مخطوطات وهي مشكلة أزلية عالمية، لم يكن معرض الوثائق والمحفوظات بعيدًا عنها، ويرجع هذا التحفظ إلى خوف أصحاب المخطوطات والوثائق من مصادرتها أو ضياعها  أو تلفها أثناء تنقلها بين يدي الباحثين، وليتهم بذلوا الجهد في حفظها والعناية بها، بل يتركونها في ما تركت فيه من مواد بدائية فتقوم الأرضة بإتلافها، أو بعض القوارض أو حتى طول العهد يخفى معالم الوثيقة ويدمغ الحبر التي كتبت به فلا يستطيع أحد الاستفادة منها.

رسالة المعرض للجميع أن يبادروا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من إرث علمي واجتماعي من يد الضياع ، وذلك من خلال الالتقاء بالشباب المثقف بالولاية، وحثهم على سؤال أهاليهم عن وجود الوثائق وطمأنتهم  برجوع الأصول إليهم ، وكل هذا يعتبر من الجهود التي يشكر عليها الجميع .

مخطوطات نادرة

ويفخر المعرض بوجود بعض المخطوطات النادرة والتي هي في بعض الأحيان بخط يد مؤلفها كديوان الشيخ سيف بن ناصر المعولي في مجموع أدبي مع العلم أنه توجد نسخة أخرى في مكتبة التراث ولكن ليست بخط يد المؤلف ولا تحوي كل القصائد التي بهذا الديوان ، أيضًا يوجد مخطوط يعنى بالطب والأعشاب الطبية والرقى الشرعية وما يميزه وجود قاموس عربي إنجليزي ، كما توجد وثيقة منذ عهد النباهنة وهي من النوادر.

تعليق عبر الفيس بوك