لحظة عراك (2)

 

وداد الإسطنبولي

ألقت بقلمها بعيدا عن تلك البسيطة وأودعتها في زاوية المكتب ثم أطفأت المصباح.

وعند باكورة الصباح احتواها نشاط غريب؛ حيث كانت مشرقة الوجه مستبشرة وكأن حال البارحة مازالت متلبسة بها لولا ذاك الصراع الجنوني للحروف الذي أخاف بنات أفكارها فأعطت بسيطتها حق التنفس والتعبير عمّا في جعبتها؛ لفرط شعورها بأنها الشيء الوحيد الذي تحضن به ما يخالج نفسها. فلا تقسى على إقبالها عليها بقول :هيت لك.

فهل تنازعها على هوس جنونها؟

هي مدركة أن باطن هذا البياض هو متنفسها الذي لا تكتفي من بثّ مكنوناتها به، وهي سعيدة بهذا الإقبال بأي شكل وبأي لون ، فهي تثير شهوة جوعها فتشتهي بساطها اللامع وتحتويه بكل صمت وتتقبل جوعها وشبعها في كل حالته وصوره ومعانيه.

تؤنسها وتعيد معها عوالمها الجميلة وتبني معها تلك العلاقة المستترة في ضم ما تريد ولملمة أوزارها خلف كواليسها، جعلتها هذه البسيطة في حال عجيبة معها، تشتاق إليها كشوق المجنون لمعشوقه، تتخبط كالمخمور في أروقتها الواسعة تبحث عن انزواء لتحضن السلام والسكينة.

أعمت بصيرتها بولائها وطاعتها والتهام ما هو صالح منها وطالح في تقبل مستكين.. فهذه البسيطة تتقن الصبر الجميل كلما عادت تلك الأفكار المخالفة تظلها بردائها خوفا عليها من حسد العيون؛  فالعين تشتهي ما لدى الآخرين، وبهمهمات تعيذها بالله من الشيطان الرجيم، وتتلو عليها "الفلق" و"طه" و"يس".