لستُ مع النسوية

 

د. خديجة الشحية

Khadija82013@

كنتُ أتحدث مع زميلتي في العمل كعادتنا كل صباح بعد أداء مهامنا العملية بأن نجتمع على دلة القهوة وبعض الترويقات التي نحضرها من بيوتنا، وخلال ذلك التجمع نتحدث في كثير من المواضيع والنقاشات حول مواضيع الفكر النسوي، وكيف أنه سلاح فتاك يستعمله الغرب للقضاء على لحمة المجتمعات الإسلامية، وإشاعة الفوضى والانحلال الخلقي تحت شعار "حقوق المرأة" ونبذ العنف بشكل عام!

وكانت تعرف رأيي في ضعف شخصية المرأة؛ إذ لا أحب رؤيتها ضعيفة مغلوبة على أمرها، مسلوبة الحقوق والشخصية، مستغلة من كل جانب بينما تقف كصنم أخرس لا تملك حق الدفاع عن نفسها، وعن أطفالها، وعن أسرتها، وعن محيطها الخاص بها ككل. وقبل أن أتطرق لكل ذلك، وأشرح كل تلك التفاصيل، سألتني: هل أنتِ مع النسوية؟ فأجبتها: لا.. طبعًا، لست مع مطالباتهم ولا مع تحررهم ولا مع فكرهم أبدًا؛ لأن نشر الثقافة الغربية وضعف الولاء للإسلام ونزع الحجاب وانتشار الانحلال والتشكيك في الثوابت الدينية والهجوم على القدوات الحسنة في المجتمع الإسلامي تحت شعار العمل الحقوقي والنشاط الاجتماعي أمر غير مقبول، وموقفي من ضعف المرأة لا يعني أن أنتمي لتلك الجماعات، فأنا مع كيان المرأة القوي بظل مجتمعها ومحيط أسرتها، وحفاظًا على حيائها وأدبها وعدم خرقها للقوانين والعادات والتقاليد، واستغلال الحرية بحدود المعقول، وعدم انضمامها لتلك الشريحة المطالبة بالتفسخ عن الأخلاقيات والانفراد بالحياة الخاصة البعيدة كليًا عن نظام حياتنا كمسلمين، لأن لنا أطرًا أخلاقية نتحرك على أساسها، ولم يكن سهلًا عليّ عندما وجهت لي زميلتي ذلك السؤال، مع علمها بخلقي واحترامي لكل ما يحفظ كرامة المرأة وسط أسرتها وعدم الانفصال عنهم، لكن عندما وجهت لي السؤال ندمتُ لأنني أشرت بحديثي معها بأنني ضد أن تكون الزوجة ذليلة في بيتها تُعامل أسوأ المعاملة في سبيل بقاء أسرتها مترابطة. فما الذي يمنع من أن تحفظ كرامتها وماء وجهها مع زوج يحترمها قبل أن يحبها؟! فالاحترام أبقى من الحب.

لكن وجهة نظري هذه فُهمت خطأً وعلى غير ما توقعت، فأنا ضد التنمر الأسري، وأضع قاعدة: احترمني احترمك، ولا حاجة لإساءة المعاملة. وجهة نظري هذه شكليًا، أما ضمنيًا فما زال البعض لم يقتنع بها، ويريدون المرأة أن تكون مسلوبة الكرامة في بيت الزوجية من أجل أن ينتشي الزوج بقوامته عليها! لقد أكرم الله المرأة وخصص لها في كتابه الكريم سورة باسمها، وهي سورة النساء، فكيف تُهان من عباده؛ إذ لا يُكرمها إلا كريم ولا يُهينها إلا لئيم، وما أكثر قضايا الطلاق والاستغلال والابتزاز بين الأزواج بسبب التغاضي والتهاون وقلة الاحترام. ويظهر من ينادي بأن كل ذلك التغاضي من أجل بقاء تلاحم الأسرة وحماية للأطفال! لكن في الحلقة الأخيرة، تتعرض الزوجة للاستغلال والسيطرة الكلية على راتبها وممتلكاتها والزواج من أخرى، ويتشتت مستقبل الأطفال بسبب الصدمة التي تتعرض لها الزوجة لضعفها أمام (الزوج المتسلط) وهنا أنا لا أعمم؛ فالخير موجود في بعض الرجال، أولئك الذين يحترمون وجود المرأة في حياتهم وتحظى بالتقدير ومساحة كبيرة جدًا من الاحترام، لكنني لست مع الضعف الكلي للمرأة في كل جوانب حياتها، حفاظًا على كينونتها وعزة نفسها.

إن ضعف المرأة أمام نفسها يُميتها شيئًا فشيئًا، ويصيبها بالعجز تجاه ما تود القيام به؛ فهي ليست مخيرة وليست محط المسؤولية لتقرر عن نفسها وعن مصيرها وعن مصير أبنائها أيضًا، مثلها لا يمكن أن تُنشئ أبناءً بشخصيات قوية ومستقلة، لأنهم سيكونون معرضين دائمًا للاستغلال؛ كونهم غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم، والنموذج الحي أمامهم أمهم التي لا تنبث ببنت شفة عندما تتعرض للإساءة والتهميش من أبيهم ومن غير أبيهم فيما يخص حياتها.

وعندما أتابع قصص النساء الضعيفات وما تعرضن له، والقضايا الكثيرة التي تضج بها المحاكم، وعدم الإنصاف الذي لا تحظى به الأم الحاضنة وغيرها من القضايا الخاسرة التي لا تكسبها النساء ضعيفات الشخصية، فإنني أستشعر معاناتهم وأدعو الله أن يخلصهم من ذلك البؤس، وذلك الانتقاص الذي لحق بهم.

وأخيرًا.. أُعيد وأُؤكد أن الفكر النسوي سلاح فتاك يستعمله الغرب للقضاء على لحمة المجتمعات الإسلامية، وإشاعة الفوضى والانحلال الخلقي تحت شعار حقوق المرأة ونبذ العنف، ولذا علينا أن نأخذ منه ما يتماشى مع مبادئنا في شريعتنا واحترام حقوق المرأة الشرعية ورفع الظلم عنها، ونتجاهل ما يسيء إلينا وإلى أخلاقياتنا.