متى نحوّل هدر المال من التنظير إلى الإنتاج؟!

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لستُ في موقفٍ مغاير أو مضاد للدراسات العلمية والاستشارات وطرح الأفكار والاستفادة منها؛ لأن معظم ما تحقق من انجازات وعلى المستوى العالمي، جاء من خلال دراسات علمية دقيقة وحتى إن صرف المال وإن كان كثيرًا فهو ليس بتلك الخسارة، مقابل ما يمكن أن تحقق الاستشارات والدراسات، غير أن طريقة وأسلوب وتوقيت القائمين عليها بحاجة إلى وقفة صارمة، ومن جهات عليا لمعرفة البداية والأسباب، والحاجة الفعلية إلى تلك الدراسات.

الأهم من ذلك، إذا كانت تعالج أمرًا ما أو لتطوير جانب معين كما هو معلن عن تطوير منطقة النجد الزراعية -مثلًا- فمن ضحّوا بأموالهم وجربوا وبدأوا بالإنتاج الفعلي، هل تم الجلوس معهم والاستماع إليهم والنظر في طريقة وأسلوب التطوير المطلوب أو الدعم أو أن الدولة يوجد بها أموال لا حدود لها؟!

أقفُ هنا -وكما وقفت بقوة في الدراسة العالمية لتطوير الرمان في الجبل الأخضر- وأسأل: هل الدراسة تمت؟ وما الجوانب التي لم نكن نعلمها؟ وماذا حققنا فعليًا -وبالأرقام- من تلك الدراسة؟ وكم عدد الشتلات وكمية الإنتاج الحقيقي والفعلي الذي تم من خلال تلك الدراسة؟ ولم يكن لأي ممن يعرفون مسبقًا عن هذه الشجرة مقابل الأموال التي صرفت.

الجانب الأهم من كل ذلك، وبعد انقضاء هذه الفترة من الزمن الطويل في بناء الكليات والجامعات والمعاهد ومراكز الدراسات في الوطن وتخريج الأعداد الهائلة من أبنائنا، ومنح الدرجات العلمية العالية، وكذلك تجارب أعداد من القامات التي أنتجت الكثير ونجحت في إنجاز الكثير، ألم نجد فيهم جميعًا من يعرف خبايا أرضنا وما تملك من مياه وأنواع زراعية؟ وهل تم إعطاؤهم الفرصة المناسبة والجلوس معهم والتشاور والخروج بحلول عملية واقعية صريحة بعيدة عن التنظير والتوصيات والأفكار غير القابلة للتطبيق مقابل ما ندفع من أموال وأن تكون الأرضية المناسبة؛ بل والمهمة لتنمية شبابنا ومؤسساتنا ودفعها للعمل والإنجاز والإبداع؟ وإلا فكيف سننافس العالم؟ وأين سنضع مكانة ومستوى مؤسساتنا العلمية وشبابنا الطموح؟ ولماذا لا يكون الطموح أبعد بكثير، وأن تكون عمان منبرًا للدراسات؟ نظرًا لأن عمان بها من المكونات في الإنسان والطبيعة جوانب مهمة تختلف عن كثير من دول العالم؛ بل ومتكاملة وغنية بالكثير، ومن هنا: لماذا لا تكون الثقة في الإنسان والمعاهد العلمية أبعد من هذا التهميش الذي يجب أن لا يكون مقبولًا بأكثر من هذا المدى الذي ذهب إليه؟!

وأخيرًا.. إن المبالغ التي تُصرف على دراسة تطوير الرمان -مثلًا- كان يمكن أن تبني سدًا بطريقة مبتكرة، وذلك من خلال إغلاق فتحة بين جبلين، ويمكن من خلالها اختصار الكثير من الجهد والدراسات التي لا تحقق أي شيء على الإطلاق، إلا ضياع المال والوقت وتهميش المعاهد العلمية في البلاد.

أما فيما يتعلق بالدراسة العالمية المعلنة قريبًا حول النجد الزراعي الواعد، فإنني أُنادي وبأعلى صوتي وعن ثقة مطلقة، وأقول أعطوا الفرصة لأهالي كل منطقة، وثقوا بهم؛ لأنهم الأدرى، والأكثر معرفة وإخلاصًا، أما ما يُعطى للدارسين الدوليين فإني أقول لكم وبكل وضوح إنهم سيجلسون معهم وسيناقشونهم وسيعرفون كل شيء منهم فقط، وسيزيدون عليه حديثًا يوحي بعلميته، وسيُغلّف لكم بطريقة توحي بالإنجاز العظيم، علمًا بأن الاهالي توارثوا المعرفة والعمل من آبائهم وأجدادهم؛ لذلك أرى أن نُطلق العنان للعقول العمانية، وأن نعطيها الفرصة والمساحة المناسبة لتحلق إلى آفاق الإنتاج الفعلي، والبعد عن النواحي التي لا يمكن تطبيقها.

أوثِّق هنا اليوم وللتاريخ أن أي مسؤول عليه أن يتذكر ويفتخر فقط بما أُنجز من عمل فعلي حقق إنتاجًا أو طبّق شيئًا لم يسبقه إليه أحد، أو حلّ معضلة فعلية، وإلا فإن عليه أن يندم على الوقت والمال الذي ضيّعه من رصيد الأمة.

الأكثر قراءة