صناعة التأمين.. شراكة وتحديات وفرص (2-2)

مرتضى بن محمد الجمالاني *

mjialjamalani@gmail.com

هناك بعض التحديات حديثة النشاة في قطاع التأمين، ظهرتْ بعد جائحة "كورونا"، إلَّا أنَّ البعض الآخر كان متوارثًا قبل الجائحة، وكان بعض مُعيدي التأمين العالميين يشتكون من أنَّ أكبر التحديات يتمثَّل في الحصول على البيانات الموثوقة التي افتقدوها حتى خلال جائحة "كورونا"، ولم تكن متاحة بشكل كافٍ. إضافة إلى تحدي مواكبة القوانين والتشريعات المتزامنة مع التطور والابتكار في قطاع التأمين، لا سيما الملاءة المالية (Solvency Margin 2) وسرية المعلومات.

والملاءة المالية تُمثِّل أحد التحديات التى تواجه الشركات وقدرتها على المنافسة؛ حيث إنَّ طبيعة عمل صناعة التأمين وإعادة التأمين تتَّضح في الشراكة والتكافل بذاتها بين القطاع الخاص والقطاع العام؛ لذلك فإنَّ إيجاد النظام الاقتصادي والمالي النقدي لهذه الشراكة (التأمين وإعادة التأمين) يحفظ حقوق جميع الأطراف، ويدعم ويحقق هدفَ تحقيق قيمة محلية مضافة من هذا القطاع.

وهناك أمثلة كثيرة من تجارب الشراكة بين قطاع الخاص والعام في صناعة التأمين، وإعادة التأمين المركزي؛ مثل: الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وجمهورية الهند، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلى جانب تجربة سابقة في جمهورية مصر العربية... وغير ذلك.

إنَّ انظمةَ التأمين وإعادة التأمين، ومراجعة الهيكل التنظيمي الإداري لقطاع المال والتأمين، وأهمية المتابعة والتنظيم والتدفق المالي النقدي وسداد المطالبات والتعويضات للمتضررين، واحتفاظ أقساط التأمين في داخل البلاد والاستثمار في مشاريع البُنى الأساسية، أصبح من الأولويات الضرورية والعناصر والعوامل الرئيسية لحفظ الأمن والسلم.

وتتزايَد التهديدات الإلكترونية نتيجة الانتقال إلى الحلول الرقمية والسماح للعاملين بالعمل عن بُعد، وعدم السيطرة والمراقبة على الأداء من قبل جهات الإشراف والرقابة كأحد الأمثلة على تحديات العصر.

وقد سرَّعتْ جائحة كورونا جهودَ تبنِّي "الرقمنة"، ودفعت إلى صناعة التأمين نحو استخدام أنظمة رقمية، كما في قطاع التأمين والتى ظهرتْ قبل الأزمة والجائحة؛ حيث ظهر "الفينتك Fintech".

وموضوع الأنواء المناخية وإدارة المخاطر في السلطنة والإقليم عامة، شَغَل بال مُعِيدي التأمين العالميين والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال؛ لذلك أسَّست حكومة السلطنة صندوقَ الكوارث الطبيعية، لكن يجب إيجاد آلية عمل لهذا الصندوق؛ بما يضمن تحقيق الأهداف المشتركة للقطاعين: الخاص والعام؛ وعلى رأسها الاستدامة.

لقد أصبح من الضروري وجود مكتب مُستقل بقطاع التأمين؛ للنظر في الشكاوى التي يَرفعها حملة الوثائق وأطراف أخرى، بعيدا عن تضارب المصالح وازدواجية الاختصاصات؛ وذلك لزيادة مُساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وقد قامتْ الهيئة العامة لسوق المال بالموافقة على تأسيس أول شركة إعادة تأمين وطنية في السلطنة (وهي الشركة العُمانية لإعادة التأمين "ش.م.ع.م"- "عمان ري")، كما صدر المرسوم السلطاني رقم: 39/2014 الذي ينصُّ على أنْ تكون شركة التأمين شركة مساهمة عامة مُؤسَّسة طبقا لقانون الشركات التجارية لممارسة عمليات التأمين، وأنْ يثبت طالب الترخيص أنَّ قيمة رأس المال المدفوع لا تقل عن 10 ملايين ريال عماني، وأن تُمنح الشركات القائمة عند العمل بهذا القانون فترة 3 سنوات لتوفيق أوضاعها.

لكن لا زال مُتوسط نصيب الفرد السنوي في الإنفاق التأميني في السلطنة بشكل خاص مُتدنٍ جدًا، وتمثل أقساط التأمين نسبة ضئيلة للغاية تقريبًا لا تتجاوز الـ1.29% من الناتج المحلي، رغم وجود 23 شركة تأمين و36 وسطاء تأمين (بحسب مؤشرات سوق التأمين 2013-2014م).

وفي العام 2021م، بلغتْ نسبة مساهمة قطاع التأمين في الناتج المحلي الإجمالي 1.45%؛ وذلك نظرًا لارتفاع نسبة أقساط التأمين.

وختامًا.. إنَّ شركات التأمين وإعادة التأمين تُعدُّ من المشاريع الإستراتيجية بعيدة المدى، وذات خصوصية فريدة، تتطلَّب قدرًا كبيرًا من الخبرة الفنية ذات البُعد المحلي والدولي، ومستوى عالٍ من الإمكانيات المالية، مع مرونة في التحرك على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي. ولا شك أنَّ هذه الصناعة تتأثر بالمناخ الاقتصادي والسياسي العام في البلاد والمنطقة، كما تتطوَّر بتطوُّره وتتأثر سلبًا بضعفه.

والخلاصة، بإمكان البلاد أنْ تحقق نموًّا عاليًّا في صناعة التأمين وإعادة التأمين، إذا توافرت الإرادة والنظرة المستقبلية والخطط الإستراتجية على مستوى الشركات، بدعم من الحكومة وإيمانها بمبدأ الشراكة، وهذا يتطلب الاستثمار في الموارد البشرية. ومن هذا المنطلق والمعطيات، أُوْصِي بتأسيس الشركة الوطنية المركزية للتأمين وإعادة التأمين؛ لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المشتركة.

* خبير تأمين، زميل معهد تشاترد للتأمين بالمملكة المتحدة

تعليق عبر الفيس بوك