كيف تصنع مسخًا إلكترونيًا!

معاوية الرواحي

عصرُ الثورةِ الرقميةِ لم يأتِ ليغير الإنسانية كما يُشاع. وهذه وجهة نظرٍ فرديةِ، ليست الحقيقة التي قد ألزمُ بها أحدًا، أو أجادل من أجلها. وتفرَّد هذا العصر بإمكانية التوثيق، وغيرها من الشؤون الصناعية التي عززت الحاسَّة الإنسانية؛ أبعدت مدى العين لترى المزيد من الكون، وعززت قوَّة الذراع لتسحق المحاور المعدنية للمصانع الضخمة، والسدود، والشاحنات التي تجوب آفاق الإسفلت في كوكبِ المال، والأعمال، والربحِ.

يُصنع المسخُ الإلكتروني بعدِّة طرق، حسب الحاجة والهدف؛ فهو قد يكون نصَّا برمجيًا، يصنع لك آلاف الحسابات، ويُستخدم بكثرة من قبل شركات الدولة التي تتحاربُ بضراوة لصناعة مساحات للبيع، كلُّها تُبنى على لفت نظر الإنسان، المعرض بهشاشته لتصديقِ هذه الدعاية، ولعل الانتخابات الأمريكية والجدل الذي أثير حول المستر ترامب وهيلاري كلينتون يكفي ليثبت تأثير هذا المسخ الإلكتروني.

ولكن هذه المسوخ ليست بالضرورة نصوصًا برمجية تشتغل في عالم الحزم الرقمية.

كيف تصنع مسخًا إلكترونيًا؟ الإجابة ليست بحاجةٍ للكثير من الجهد والتعب في هذا الزمن الجديد، زمن الإنترنت الذي يعزز التحيزات المسبقة، ومواقع التواصل التي حملت دهشة الأشياء الجديدة حتى عادت لواقعية البشر، وشؤونهم، ومشاكلهم، وإخفاقاتهم الدائمة في الانتصار على نفوسهم الأمَّارة بالخير والشر.

الخطوة الأولى:

عليك أن تجد شخصًا متحمسًا، لديه ما يكفي من الرغبة ليكون قويًا، وقليلا من الرغبة ليحترم عقله أو عقول الآخرين. قد يكونَ ذلك على هيئة إنسانٍ مُحافظ شرس، أو على هيئة فتى، أو فتاة يملأ الغضبُ عقولهما. ها أنت قد وجدت المادة الخام لصناعة هذا المسخ. ويجب عليك أن تتأكد أن مسخَك قيد الصناعة ليس مستقلًا، ولا يعبأ كثيرًا بالنتائج المنطقية، إنه يعبأ بذاتيته بشكلٍ مفرط، ولا يهتم لآثار ما يفعله عليه، هُنا أنت جاهز للمراحل المقبلة.

الخطوة الثانية: تفعيل دور المسخ

في حالةِ وجودِ بيئة إلكترونية سهلة البرمجة، وتصنع الحسابات الوهمية، يمكن لأنواع كثيرة من المسوخ الإلكترونية أن تغير معادلات كبيرة، مثلا، مسوخ سوق الأسهم الذين يُصنعون على مهل للتلاعب بأسعارها، ومسوخ العُملات الرقمية الذين يقفزون للعين في حساباتٍ بالملايين، تصنع الوسوم الإلكترونية "الهاشتاج" وتكذب، وتكذب، وتكذب، حتى تجد الذي يصدقها. والمسخُ السياسي، كما في الحرب الدائرة الآن في أوروبا، وشؤون أخرى من الخصومات بين الأنظمة والدول، وغيرها من الاستخدامات "المسخيَّة" التي يُستخدم فيها التنمر، والتشويه، والاغتيال المعنوي للأفراد؛ بل وحتى نزع صفة البطولة من الموتى الذين صادموا الاحتلال الغاشم لأوطانهم.

وما دمت قد وجدت المسخ المناسب الذي كل ما يهمه هو ذاتيته، وأن تُعلَّق القضية على كتفه، وأن يعتاش منها، فأنت قادر على صناعةِ أي دعاية تحبها، وكل ما عليك فعله هو منح ذلك الواهم منصة، أما المكانة فيمكن صناعتها بكل أدوات التزييف الرقمي، وهذه تكفي لكي يصعق عقل المسخ الإلكتروني بالتصديق حتى يكاد يزهق نفسه ظنَّا أنَّه يحسن صنعا.

الخطوة الأخيرة: التخلص من المسخ المحترق.

إن المسخ الإلكتروني من اسمه، هو إنسان يقوم بمهمة قذرة، ولأنَّه بلا منطق، يبني خطابه على الكذب، والكذب، والكذب، حتى يجد من يصدقه فهو في حالة احتراقٍ ذاتي، ولم يصمد مسخ من المسوخ في هذه الحياة ليستمر للنهاية، فالخلايا المناعية المنطقية والعقلية تنتبه إليه، وبعدها تبدأ عملية تفكيك المنطق المسخيِّ، وهذه العملية النقدية هي أخطر ما يمكن أن يواجهه مسخٌ مصنوعٌ على مهلٍ، ولا سيما هؤلاء الذين يتاجرون بدم الموتى في الحروب، أو الجبناء الذين يحرضون الآخرين على صراعات يجبنون هم عن خوضها، أو اللؤماء الذين يتنصلون من المواجهة بأدوات التزييف، والتجيير، والخطاب الملطخ بطينِ الشبهات؛ شبهات الكلام والحقائق!

لكل مسخ تاريخ انتهاء، وعندما يحين وقت التخلص منه. كل ما عليك فعله هو رفعُ تلك الشوكة التي كانت تحميه، وتحويلها إلى شوكةٍ تؤذيه، وهكذا في ظروف عسيرة جدًا قد تضمنُ أنَّ هذا المسخ قد عاد إلى حالةِ السبات، ولكن كن حذرًا، بعض المسوخ لها ضمائر، وقد تعود إلى جادةِ الحق، وحتى هذا الذي قضى سنين في تبرير عدد الجثامين التي تغدقها دولةٌ محتلةٌ على تراب الأرض قد يستيقظ، وقد يتحول إلى حالةٍ مغايرة لا تروق لصانعها، فحتى بعض المسوخ لها ضمائر، وقد يفتح الله لها خطَّ عودةٍ إن لم يكن إلى طريق الحق، فعلى الأقل، هو بعيد عن طرق الباطل الكثيرة والمتشابكة.