حمد بن سالم العلوي
قد يظنُّ البعض إنني أخطئ فيما أقصد بهذا العنوان، والحقيقة أن الحرب العالمية الرابعة، هي التي تجري اليوم بين روسيا وأوكرانيا، وذلك كما هو معلن في الإعلام الرسمي الغربي، هذا إذا اعتبرنا الحرب العالمية الثالثة، قد تم شنها على سورية، وقد بدأت في عام 2011، وما زالت مستمرة حتى الآن، وأنا لا أقترح هذه التسمية الآن، ولكن المعطيات وواقع الحال يقولان ذلك، ولولا لطف الله بسوريا والعرب، لتعرضت سورية للغزو المباشر، كما حدث ذلك في العراق وليبيا، وذلك لمخطط قرره الأمريكان في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وقد سربوه في وسائل الإعلام، لكن بعض العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وهذا ما تقوله إسرائيل عنّا، وربما كان مخطط تدمير روسيا بدأ منذ الحرب الباردة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية.
تُرى لماذا أقفز بالتسمية إلى الحرب العالمية الرابعة؟ والظاهر أمام أعين الناس إعلاميًا، أنها حرب عادية تقليدية بين دولتين هما؛ روسيا وأوكرانيا. وإن مواصفات الحرب العالمية الثالثة أو الرابعة، لا تنطبق على ما يجري اليوم بين روسيا وأوكرانيا، خاصة وأن روسيا - وهي الطرف الذي بدأ الحرب- تسميها "عملية خاصة"، ومؤخرًا أطلقت عليها مسمى "الحرب على النازية".
لكن عندما نأتي ونقيّمها بمعايير الحرب العالمية - أيًا كان التدرج الرقمي المميز لها- فإننا نجد أن كل دول المحور أو دول التحالف منغمسة في هذه الحروب، وإن كانت تلك التي جرت على سورية، أو التي تجري اليوم في أرض أوكرانيا، وذلك مع الفارق؛ فإن الحرب التي كانت على سورية وما زالت، قد شارك فيها بعض العرب بدرجة علنية وكبيرة، وذلك بالمال والسلاح والرجال، وحشد المواقف السياسية الإقليمية والدولية، وهذا بخلاف الحرب التي تشن اليوم على روسيا، والتي يظهر في واجهتها فقط أوكرانيا وحدها، وهي ليست وحدها بالطبع.
وكانت أطراف الحرب العالمية الثانية، هم أنفسهم أطراف حروب اليوم، فقط روسيا وحدها أخذت دور دول المحور، ففي السابق كانوا قد انقسموا إلى فريقين في ذلك الوقت: "محور- وتحالف"؛ فدول المحور (ألمانيا، إيطاليا واليابان)- رغم تباعد الجغرافيا بينهم- ظلت توحدهم الأهداف، والطرف الثاني دول التحالف؛ وهي (بريطانيا، فرنسا، أمريكا، والاتحاد السوفييتي) ولم يؤثر عليهم- وقتذاك- معتقداتهم السياسية بين النهج الشيوعي الاشتراكي، والنهج الغربي الرأسمالي، عندما كان أمامهم هدف أكبر.
إذن؛ الذي يحدث اليوم، هو فقط تغيّر في الاصطفافات، وذلك بتغيُّر الأهداف والمصالح، ولكن الذي جرى في الحرب العالمية الثانية، أنه كانت هناك دول للتحالف مشاركة مباشرة في الحرب، وذلك ضد 3 دول كبرى تمثل ما سمي بدول المحور، وذلك مع الفارق أن هناك دولا أخرى أوروبية، ولكنها أخذت موقف الحياد، لكن الذي نراه اليوم أن دول المحور ودول التحالف وحتى دول الحياد تقف جميعها في صف واحد، ضد روسيا التي أصبحت تأخذ مكانة الاتحاد السوفييتي مع بعض الفوارق.
إذن.. التي نشهدها اليوم هي "الحرب العالمية الرابعة" ولن تتحول إلى حرب عالمية شاملة أو حرب نووية كونية، إلا باشتراطات محددة. وأهم هذه الاشتراطات ألا يتدخل الغرب بقيادة أمريكا في الحرب الفعلية؛ لأن ذلك سيعلن عن قيام محور جديد، وهو متشكل حاليًا، ولكنه بالتنسيق البيني وحسب، وذلك من الدول التالية: (روسيا، الصين، كوريا الشمالية، إيران، الهند، وربما باكستان لاحقًا)، أو إذا شعر الزعيم فلاديمير بوتين أنه قد يُهزم في حربه الحالية، فإنه سيطلق العنان للمارد النووي، أو إذا بادرت أيٌ من دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" بالهجوم النووي، أو مجرد التهديد الفعلي به، فإن روسيا لن تتردد عن استخدام السلاح النووي، وأجزمُ أن الغرب لن يُقدم على استخدام السلاح النووي؛ ليس لأنه عقلاني أو تمنعه قيمه الفاضلة وأخلاقه الحميدة التي رأيناها من قبل في (العراق وأفغانستان وليبيا)، ولكن ليقينه التام أن روسيا ومحورها يملكون الوسائل الأحدث والأقوى على تدمير الخصم.
لذلك سيظل الغرب يوقد نيران الحرب التقليدية، ويذكي جذوتها من بعيد، ويكرر استخدام المقاطعة والحصار الاقتصادي، وهذا الأسلوب قد أفشله الزعيم الروسي لحد الآن، وكما قلت في مقالات سابقة عن هذه الحرب، أن القائد الكبير فلاديمير بوتين، ظل يخطط للحرب منذ أن تولى الحكم في روسيا، وفي عام 2014 يوم الانقلاب على الرئيس الأوكراني المنتخب فيكتور فيدورفيتش يانوكوفيتش على إثر الثورة البرتقالية كما ظل يطلق عليها الغرب، وأظنها كانت ثورة صفراء أو حتى سوداء بما آلت إليه؛ فقام الزعيم بوتين باقتطاع ثلاثة أقاليم من أوكرانيا، وأهمها شبه جزيرة القِرم التي انضمت مباشرة إلى روسيا، ولكن الثعلب الروسي لم يشن حربًا إنفعالية يومها؛ بل ذهب بعيدًا عن أوكرانيا، فذهب إلى سورية التي كانت تواجه خطرًا وجوديًا، وسيضر بروسيا استراتيجيًا، وقد يُبعدها عن منطقة الشرق الأوسط سنين طويلة لو لم يتدخل، ولم يجلس للبكاء على اللبن المسكوب في أوكرانيا، وبالطبع كان تأجيلًا وليس نسيانًا للمسألة، وهذا الذي أتضح مع بداية هذا العام.
ومسألة إطالة أمد الحرب كان في مصلحة روسيا، وليس كما كان يُخطط له الغرب، وإن التّشظِّي والإنقسام سيزدادان يومًا بعد يوم، وذلك في الطرف المقابل لروسيا، والتضخم والكساد بدأ يضرب بأطنابه في أمريكا والغرب، وقد سَلِمَتْ روسيا منه، ومن المنتظر أن يضج الغرب بالاحتجاجات الحادة قريبًا، وقد بدأ ذلك يحدث في أمريكا. والرئيس الأمريكي الذي كان منتشيًا باستفزاز روسيا وإدخالها في حرب مدمرة في أوكرانيا، قد خُطط لها خلال سنوات طويلة مضت؛ فنجده -أي الرئيس بايدن- يعلن حالة الطوارئ في بعض الولايات الأمريكية، ويبشر الناس بأيام قاسية في القادم من هذا العام، وقد اضطر للخنوع والخضوع والدفع بالروبل، لإعادة رائد فضاء أمريكي على متن صاروخ روسي، ولم يتحرك الصاروخ الروسي إلّا بعدما دفعت أمريكا 2 مليار روبل، مقابل تلك الخدمة.
إنها حرب تحرير العالم من عبودية الاستكبار العالمي، وحرب لتحرير الناس من الخنوع والاستغلال ونهب الثروات، إنه ميلاد عهد عالمي جديد، هذا لمن يريد أن يفهم ذلك، وما هذه الحرب إلا وسيلة لعملية إقناع العالم، بهذا المولود الشرعي الجديد، وذلك رغم أنف الغرب المستبد ومن يدور في فلكه، هذا الغرب الظالم الذي غزا ونهب وسرق واستعبد وحرر الناس من ممتلكاتهم وثرواتهم، وحتى حررهم من أرواحهم، فليبشر العالم بهذا التوازن الذي نأمل أن يحقق العدالة حول العالم، بعد تلك القرون السوداء التي طافت بالكرة الأرضية من بطش القوة الطاغية الهوجاء.