وداد الاسطنبولي
في وسط الورقة أرادت أن ترسم؛ بل أن تكتب شيئا على الرغم من أن ريشة الفنان لا تقل عن فنية وبراعة قلم الكاتب بل تتساوى في وحي الفن ومعرفة ما يريد كلاهما في نقل غاية رسالته.
وتجد صعوبة في صياغة الكلمات وهذه المرة ليس لأن بنات أفكارها لم يتشربها عقلها على نحو تامٍ ؛ بل اندهاشا مما رأته الآن أمام عينيها في وسط البسيطة البيضاء؛ حيث تتناثر السطور وتتداخل فيما بينها وتتبعثر الحروف هنا وهناك؛ بل إنها لتتحرك وتتمايل وتعيق حركة كتابتها فمنها ما يدور ضاحكاً مهرولاً كمحاولةً للطيران، ومنها ما تراه منهكا وكأن شيئا ما أتعب قواها.. ما هذا أيضا! السطور تتموج حول أصابعها، وتلتصق عليها بعض الحروف لا أدري إن كان ذلك هروبا أم محاولة التشبث بها ولكن بلا جدوى؛ بعضها يتساقط هاويا على تلك البسيطة.. يا ويلي ما هذا؟ زمرة من الأبجدية؛ منها ما هو متكئ لعل في جعبتها ما يطرأ عليها. ظلت مصدومة مما تراه. إنها تقف في حالة بعثرة و جلبة، لماذا؟
صرخت: ماذا يحدث هنا؟ هناك همسات وأحاديث ضئيلة تكاد تسمع؛ فجلست على ركبتيها وبدأت تستوعب لغة تلك الأصوات وهمهمتها بالشكوى، لم تفهم مغزاها أولاً. ثم أنصتت جيدًا وحدقت طويلًا بتلك الأبجدية القائمة على نظام منتظم وأحزاب مرتبة في كل ركن حروف الجوف الحلق، اللسان، والقلب، تشتكي حالها وتقول: ليس لنا ذنب في اتخاذنا قشة عندما تغرقون وتتعلقون بنا لكتابة هي لنفث همومكم، ووفق أهواء نفوسكم. لقد ذبلنا من بعض الكتابات، وعشنا معها حياة البؤساء، وهناك من يتعامل معنا بفوضى فيدفعنا دفعًا في حركة السرد. كم نتمنى رحيله، ومنكم من تمكّنت منه عزلته فيرمي حمولة أمنياته، وننتظر انتهاء أحلامه على سطورنا. وهناك من تمكّنت منه رغباته المضطربة فتجمّعت في دواخله فيقذفها على عتبات سطورنا. لن تستطيعوا تحقيق شيء على السطور وبالسطور وأنتم تضمرون الأنا في ذواتكم، فحاولوا التخفيف عن بعض الهوس، ابتعدوا عن التفاصيل التي تقتل جوهر المحتوى المضيء من جوانب زواياه الأخرى. نريد -فقط- الشعور بالارتياح بجعل هذه المساحة تضج بالتفاؤل. كفاك صراخا وحيرة عن سبب هذه البعثرة، رجاؤنا ألا تسألي ثانية عن هذا ولا تخبري أحدًا.
إنها لحظة عراك أرادت منها زمرة الأبجدية تلك راحة البال، وها هي في سبات ألقت بقلمها بعيدًا عن تلك البسيطة وأودعتها في زاوية المكتب وأطفأت المصباح.