المسؤولية وحالة الإنكار

 

عيسى الغساني

يُعرّف الإنكار في علم نفس السلوك البشري،بأنها حالة رفض وعدم قبول الحقيقة أو الواقع غير المريح وإلقاء اللوم على عناصر خارجية ليس لها علاقة،والسبب والدافع هو عدم الإعتراف بالنقص أو القصور وفي النهاية رفض تحمل المسوؤلية عن الأخطاء وتحميل الآخرين نتائج الفشل .

والمسؤولية تكليف، والتكليف هو تحقيق أهداف ونتائج قابلة للقياس والمؤسسة بها ثلاث عناصر: العنصر البشري، والنظام القانوني، والموارد المادية بشقيها: العقار والمنقول .والعنصر الأهم هي القيادة، وعلى رأسها شخص واحد منوط به قيادة وإدارة المنظمة،وتحقيق الأهداف؛ سواء كانت هذه المنظمات أو المؤسسات إدارات قطاع عام أو خاص ربحية أو غير ربحية، وأيا كان المسمى لمن توكل إليه المسؤولية الكاملة لتحقيق الأهداف، فإن مكونات الكفاية الأخلاقية والسمات والصفات والمقدرات المعرفية وتحمل المسؤولية أساس التقدير والإنجاز والاحترام في ءان واحد.

القرار الشخصي حق للمنظمة.. وهذه المكونات تعد المحرك والقوة الدافعة لأحداث التغيير الإيجابي، وعندما تتحقق النتائج والأهداف المخطط لها، يطلق هنا مصطلح النجاح والإنجاز، وهذا ينسب للرئيس أو المدير أو المشرف أو الرئيس التنفيذي أيا كان المسمى، وهذا واقع مفترض. وهنا تجري الأمور على مايرام ويستحق المسوؤل الإشادة والثناء والتقدير، لكن عندما لا تتحقق الأهداف، وتحدث نتائج وأخطاء توقع آثارًا سلبية على كل مكونات المنظمة بأطرافها البشرية والمادية، هنا يصبح التصحيح والإقرار بالخطأ رسالة أخلاقية؛ حيث تظهر المسؤولية الأدبية، ويغدو موقف الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية بكل تبعاتها موقف وقرار شخصي وحق للمنظومة والمجتمع.

هنا ومن واقع التجارب يتبين توجهان أو موقفان: التوجة الأول: هو المراجعة والتصحيح والاعتراف بالأخطاء. وهنا يقر المسوؤل بالخطأ بكل جراءة، وتبدأ مرحلة التصحيح، وتشكل لجان تسمى لجان مراجعة لتشخيص الأخطاء وأسبابها وطرق العلاج، ومن ثم التصحيح.

أمّا التوجة الثاني: وهو الكارثي والمعطل وهو حالة الإنكار التي يتخذها المسؤول بإنكار الواقع وتسخير كل من حوله للدفاع عن الأخطاء ورفض تحمل المسؤولية، وتحميل الظروف أو الغير أسباب الإخفاق والفشل وهذا السلوك يحدث احتكاكا نفسيا وعقليا غير مرئي، يخرج بالظاهرة الاجتماعية وهي الصراع بين الأفراد، وتتشكل مجموعات وتكتلات متصارعة إلى منطقة رمادية معطلة للنمو والتطور. ويدور التركيز حول سلوكيات ضارة وآثار سلبية مرئية وغير مرئية لكل العلاقات التي هي داخل المنظومة وخارجها، بقصد تجنب الاعتراف بالتقصير والخطأ.

هذه الشخصيات المُنكِرة للواقع تشكّل خطرا على أي منظومة لعدة أسباب؛ منها: نسف القيمة الأخلاقية لمواجهة الواقع وتحمل نتائج القرارات أو التصرفات؛ فبذلك تتحول المؤسسة بمرور الوقت إلى مكان تنشأ به ثقافة إلقاء اللوم على الآخرين؛ فتكون بئية العمل سامة. وينتج إلقاء اللوم على الظروف والآخرين تعطيل ثقافة السؤال عن الأخطاء ومن ثم إنحراف أي منظمة عن مسارها، وتسخيرها لحماية الشخصيات السامة بالمنظومة التي تشكل ما يسمي "لشلالية".

ومؤشرات الإنكار كثيرة؛ منها: عدم حدوث مراجعات لأخطاء واضحة يراها الجميع، وعدم حدوث تطورات فعلية، والبيروقراطية، وعدم وضوح وفاعلية نظام الأهداف والمؤشرات، وغياب الشفافية والمحاسبة.

إن المخرج من هذه الأزمة يتمثل في فصل الرقابة والمتابعة فصلًا كليًا عن المنظمة، بحيث تعمل باستقلال وتكون مرجعيتها جهة رقابية أخرى مستقلة.