مات قوم وهم في الناس أحياء

 

محمد بن سعيد الرزيقي

ما أكثر أعمال الخير والصلاح والفلاح التي يعملها الإنسان إبان وجوده على هذه البسيطة؛ فمنها أعمال لا يتجاوز نفعها الشخص نفسه، ومنها ما يتجاوز نفعها إلى الآخرين، وحديثنا يدور عن هذا الأخير، وهو ما يقدمه الإنسان من نفع وخير إلى غيره، ويترك بعد ذلك أثرا واضحا في حياة الآخرين كوضوح الشمس في رابعة النهار، وتظل الأجيال تتذكره جيلا بعد جيل رغم مرور السنين، وتقلب الليالي والأيام.

والحقيقة أن الموفق هو من صفت سريرته، وأخلص نية العمل لله، فهؤلاء تبقى ذكراهم عالقة في أذهان الناس، خالدة في ذاكرة التاريخ، شاهدة على كريم خصالهم، ودماثة خلقهم، وأياديهم البيضاء التي كان لها أثر في كل بقعة من بقاع الأرض؛ فينالون وهم في عالم البرزخ من الدعوات الصادقة ما الله أعلم به، وأنه  غير مستغرب أن تجد أناسا قضوا منذ سنين؛ لكن ما تزال تلهج بذكرهم الألسن، وما تزال عطاياهم تسد بها جوعة جائع، وتقضى بها حاجات المحتاجين من الفقراء والمساكين والغارمين، فانظر أخي الكريم إلى توفيق الله  لهؤلاء بأن منحوا شيئا من أموالهم التي خولهم الله تعالى التصرف فيها، وإنفاقها في وجوه الخير والبر التي أمرهم الله بها.

إنَّ من أعظم الشخصيات التي كان لها أثر بالغ في الناس هم الأنبياء والمرسلون، لذلك خلد الله ذكرهم في كتابه العزيز، وامتدحهم الله سبحانه وتعالى، وأثنى عليهم ثناء عاطرا، بما حملوه من إيمان صادق بربهم فبلغوا رسالاته، وأخرج الله بهم الناس  من الظلمات إلى النور. يقول الله تعالى في شأنهم: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَع وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَار هَذَا ذِكْرٌ) (سورة ص: 45 -48)، وقال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً)  (مريم: 50)، وقال ابن عباس- رضي الله عنه- يعني: الثناء الحسن.

انظر أخي الكريم إلى ذات اليمين، والى ذات الشمال، ومن أمامك ومن خلفك، تجد في بلاد المسلمين ما لا حصر له من أعمال صالحة يجري نفعها للمجتمع المسلم، وأصحابها في رمسهم يتنعمون بالثواب والأجر غير المنقطع، والذكر  العاطر بين الناس.فالعلماء بذلوا الجهد في تعليم الناس، وتركوا لنا ميراثا من العلم، والكتب المفيدة، والتجار المخلصون لأوطانهم وأمتهم بقيت آثارهم بما وقفوه من مال في سبيل الله، وبما شيدوه من مساجد تقام فيها الصلوات، ويرفع فيها ذكر الله وبما بنوه من مدارس قرآن كريم، ومجالس عامة، وبما تبرعوا به للفقراء والمساكين، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "قد مات قوم وما ماتت مكارمهم، وعاش قوم وهم في الناس أموات".

وختامًا.. هل تريد أخي القارئ الكريم أن يكون لك ذكر حسن بعد موتك، وأجر ممدود إلى يوم يبعثون، ما عليك إلا أن تخلص النية لله تعالى، وأن تبسط أياديك  البيضاء في وقف بعض أمولك أو وقف أرض أو وقف بناء يذهب ريعه إلى المحتاجين من الفقراء والمساكين، وفي بناء المساجد، ومدارس القرآن الكريم، وتشييد الصروح العلمية التي تسهم في بناء العقول المسلمة، وكذلك مما يبقى أثره في النفوس أن تكون مصلحا مخلصا في مجتمعك تنصح هذا، وترشد ذاك، وتعلم هذا، وترجع ذاك إلى جادة الحق وإلى صراط مستقيم، وتسعى إلى الصلح بين المتخاصمين، والدعوة لوحدة الصف، ولم الشمل، ورأب الصدع؛ فالدين يدعونا لذلك.

وأخيرًا أتركك أخي القارئ الكريم مع هذا الحديث الشريف، فتمعن فيه وافهم مغازيه؛ فعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبعٌ يجري للعبد أجرهن في قبره بعد موته من علم علماً، أو أجرى نهراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" أخرجه أحمد.

تعليق عبر الفيس بوك