هاجس النفايات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة

 

 

فاطمة الحنطوبي **

 

في ساحة العمل تتسابق الدول لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها أغلب الحكومات بعد أن وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2015 أصبح تاريخ الكشف عن إنجازها قاب قوسين أو أدنى؛ فبحلول عام 2030 سيكون لزامًا أن نرى أجندة الاستدامة التي تمكن المجتمعات من الاستمتاع بالجودة والكفاءة في الموارد والأنظمة.

والنفايات قضية تتفاقم مع الزمن بالأخص بعد الأزمة العالمية التي سببتها جائحة كورونا "كوفيد-19" وأصبحنا نروضها بمفاهيم مختلفة؛ كالاقتصاد الدائري أو الاستدامة، وأحيانًا نربطها مع الحياد الكربوني، وكأننا نطارد هاجس النفايات بتبني منهجيات جديدة. وهذا الوضع غير المعتاد منذ عام 2020 يدفعنا إلى الالتزام بتطبيق نهج الملاءمة بين تحقيق أهداف التنمية المستدامة والإدارة المستدامة للنفايات، مما يجعل الاستدامة شيئًا صعب المنال، لما أعقبته جائحة كورونا من تدنٍ في اقتصاد العالم أجمع، وصدمات مالية لبعض الدول، وأيضًا بعد أن صُدمنا بانخفاض الاقتصاد العالمي إلى أكثر ما توقعه صندوق النقد الدولي، الذي أعلن أن "الاقتصاد العالمي سينخفض بنسبة 3% في عام 2020"، وكانت المفاجأة أنه انخفض إلى النصف وصاد الفقر بعض البلدان. هذا التراجع في الاقتصادات خلّف لدينا نظرة تشاؤمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع أن الهدف الرئيسي لأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر هي "عدم ترك أي شخص يتخلف عن الركب".

والزيادة المستمرة في النفايات الصلبة تسبب قلقًا عالميًا، وحسب بيانات البنك الدولي، فإنَّ النفايات الصلبة المتولدة من العالم ستصل إلى 2200 مليون طن في السنة بحلول عام 2025، والنفايات البلدية تعد ثالث أكبر مصدر للغازات الدفيئة على مستوى العالم؛ حيث إن الاحتراق المباشر لكل طن واحد من النفايات البلدية يولد 1090 كجم من مكافآت ثاني أكسيد الكربون، حسب بيانات الدراسة المنشورة في عام 2018، ناهيك عن الأضرار التي ستلحق بصحة الإنسان والبيئة. وأيضا استبيان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أظهر أن 24 حكومة وطنية تخطط لتنفيذ تدابير الجائحة ذات آثار بيئية سلبية؛ كالسماح بنشر ثقافة استعمال المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وخفض المعايير المتعلقة بجودة المياه والهواء، وهذه العقبات تحول دون التخلص من النفايات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في 2030. فهل يا ترى سنجتاز الغمة ونواصل السير لنصل إلى أرض الاستدامة ونرى علم السلام يرفف فوق أرض التنمية المستدامة؟!

وعوائد إدارة النفايات تفوق بكثير التكلفة، ولكي تزدهر مجتمعاتنا كأماكن صحية وقادرة على الصمود للعيش ومجابهة الأوبئة والأزمات البيئية، يجب على الحكومات الاستثمار بشكل عاجل في النفايات. ويُعد قطاع إدارة النفايات المستدامة بؤرة حالية للإلهام والابتكار وهذا يخدم الهدف 9 من أهداف التنمية المستدامة؛ حيث توفر إدارة النفايات فرصًا ممتازة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والعلوم الإنسانية ودراسات الأعمال وتكنولوجيا المعلومات وهي حافز قوي للنمو الاقتصادي لما يحقق (الهدف 8) من خلال جذب جيل الألفية ورجال الأعمال وأصحاب الثقل الصناعي. وإدارة النفايات المستدامة أو برنامج "Zerowaste" يدعم تحقيق الهدف 3 والهدف 12 والهدف 13 وكذلك الهدف 14، وأيضا الهدف 15 من خلال ترابط الأهداف.

وهناك حاجة إلى توجيه أنظارنا نحو مستقبل واعد- بإذن الله- من خلال تحقيق الأفضل لأوطاننا وللعالم أجمع، والتكيف مع الأوضاع والابتكار لإيجاد الحل، فهذه طبيعة ربانية أوجدها الله في العقول البشرية، فرغم الهالة السوداء التي تحيط بنا، إلّا أننا بادرنا بتحقيق الاستدامة، وهذا في حد ذاته تقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، وما علينا سوى أن نواصل استكشاف الترابط بين البيئة والحياة والاقتصاد في نهج صحي، وأن نجمع بين السياسات العامة والتجارية والابتكار التكنولوجي. ومن الضروري أن تكون الخطط ذات مرونة قادرة على التعامل مع الضغوطات والاضطرابات العالمية مثل الأوبئة. إننا نعلم أن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 غير قابلة للتجزئة، وأن النفايات هدف غير مباشر؛ بل مربوط في غايات ومؤشرات بأهداف مختلفة من الأهداف السبعة عشر لأهداف التنمية المستدامة 2030، لكن سننجح إذا وجهنا خططنا نحو الاقتصادات الخضراء والدائرية، وأن نسلك المرونة في مواجهة الاضطرابات والكوارث المستقبلية.

هذا طموحنا، ولنبدأ معًا في الانتعاش الأخضر وممارسات مستدامة، فحسبما نشرت مؤسسة "ماك آرثر" فإن الانتقال إلى اقتصاد دائري لديه القدرة على ايجاد 700,000 وظيفة بحلول عام 2040، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25%، سيكون الاقتصاد الدائري أكثر مرونة في مواجهة الاضطرابات العالمية مثل الأوبئة، ويساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ لأنه يعالج النفايات والتلوث وتغير المناخ.

** خبيرة استدامة بيئية بدولة الإمارات العربية المتحدة

تعليق عبر الفيس بوك