حمد بن سالم العلوي
لستُ أبالغ عندما أشير إلى اللقاء بين عُمان وإيران، بالإمبراطوريتين اللتين ظلتا تجمعهما القوة والجغرافيا والمصالح المشتركة، فعُمان وإيران عُرفتا عبر التاريخ الماضي، أنهما إمبراطوريتان بحق وحقيقة، وإنما كانتا ندًا لبعضهما البعض من دون غيرهما من دول المنطقة، فسيطرت إيران على أجزاء من عُمان في حقب عديدة ومتقطعة، وفعلت عُمان الشيء ذاته، والمؤرَّخ منه بالنسبة لعُمان، فقد فكانت واحدة من الحقب يوم قَتَل سُليّمةُ بن مالك بن فهم الأزدي أباه بطريق الخطأ، فهرب خوفًا من إخوانه إلى بر فارس، وهناك أقام مملكة وورّث فيها نظم الزراعة والأفلاج العُمانية، وبعض القلاع والحصون تشبه النسق العُماني في نظمها وتكويناتها، وهذه حضارة عُمانية تمازجت مع الحضارة الفارسية.
وكان لدولة اليعاربة العُمانية، الفضل في طرد البرتغاليين الذين احتلوا السواحل العُمانية، وكذلك سواحل ضفتي الخليج، ومدخل مضيق هرمز، إضافة إلى السواحل الغربية للهند، ولكنَّ العُمانيين لم يكتفوا بتحرير سواحلهم من البرتغاليين وحسب، وإنما أجلُوهم من كل المنطقة، وطاردوهم حتى السواحل الأفريقية البعيدة.
وفي زمن عنفوان الإمبراطورية العُمانية، وفي ظل حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي سلطان عُمان وجواذر وزنجبار، والذي أمتدت إمبراطوريته من الخليج وحتى موزمبيق، فقد سيطر على بعض الأقاليم من إيران، بعضها بطلب الحماية، والبعض الآخر بالإيجار، هذا ما وثقه التأريخ عن بعض تلك الحقب الزمنية.
إذن؛ سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانتا دولتان على كفتي ميزان من القوة والندية، فتخلفت عُمان عن مسايرة التاريخ في القوة العسكرية، ولكن إيران لم تتوقف عن مواصلة التقدم العسكري، والحفاظ على أسباب القوة، وذلك كضرورة ظرفية لتكالب الأمم عليها، طمعًا في ثرواتها الكبيرة والكثيرة، أما عُمان التي لم تواكب التقدم العسكري العالمي، فربما لعدم وجود ضرورة لذلك، وربما لترجيح الاهتمام بجوانب أخرى أكثر إلحاحًا وأهمية، ولكنها لم تتخلَ عن قوة الحكمة، وقوة العمل بدبلوماسية العقل والمعقول، خاصة في زمن اهتمامها بنهضتها الحديثة، فلم ترفع صوتًا إلّا صوت النهضة والتحديث والتطوير، فتحقق لها ذلك بحمد الله وتوفيقه.
إنَّ عُمان وعلى مدى أكثر من نصف قرن، ظلت توازن في علاقاتها مع الدول، ولم تنس خاصية العلاقة المُتميزة مع جارتها إيران، أكان ذلك في عهد الشاه ونظامه الشاهين شاهي ذات الميول الرأسمالية الغربية، أو عندما حلت الثورة الإسلامية محل النظام السابق في إيران، فظلت سلطنة عُمان محافظة على علاقتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا دليل قاطع على العقيدة السياسية الثابتة لعُمان في احترامها للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأنها- أي عُمان- لا تخضع للإملاءات الخارجية، كما هو توجه بعض الدول، والتي تتأرجح في علاقاتها مع الدول من النقيض إلى النقيض وبتأثيرات وأهواء خارجية.
عُمان ظلت وفية لنهجها القويم والمستقيم، وفي أحلك الظروف والإكراهات الخارجية؛ بل كانت تمثل مرجعية للعقلانية الدولية، وقاسمًا مشتركًا تلتقي عليه الدول المتنافرة؛ لتكون عُمان وسيط خير بين الجميع، ومثال ذلك يوم فقد العالم التعقل في بعض المواقف الدولية، وكادت بعض الدول أن تذهب بنا إلى الهاوية بسبب طاغية القوة، وأن تذهب بالمنطقة معها إلى المجهول، فذهب السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- بنفسه إلى إيران، وبالتفاهم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد قام- طيب الذكر- بدور كبير لمنع كارثة الهجوم الشامل على سوريا ومحور المقاومة، فاختلفوا على الذي قد أجمعوا عليه من شرّ مطلق، وانتهى الأمر.
إذن؛ زيارة فخامة الدكتور إبراهيم رئيسي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمسقط، لم تكن لتحسين العلاقات مع عُمان، فهي لم تسوء ولن تسوء- بإذن لله- أو مجرد زيارة بروتوكولية لتطييب الخاطر، فالخاطر طيبٌ بين بيننا، وإنما زيارة للتأكيد على قوة العلاقة بين البلدين، وللمزيد من التعاون، والتنمية في التبادل التجاري والمعرفي، وتقوية الأواصر الأخوية والاجتماعية والسياسية. وتتقاسم عُمان وإيران الإشراف على أهم معبر مائي دولي، ألا وهو مضيق هرمز، وقد ظلت العلاقات العُمانية وثيقة وقوية مع كل الدول، وخاصة مع دول الجوار ما لم يكن هناك تغيير من الطرف الآخر؛ لأنَّ عُمان من قيمها الراسخة الصدق والثبات على المبدأ.
لذلك ستظل كل الزيارات واللقاءات بين البلدين يُحكم بنجاحها، وذلك قبل أن تنفذ، لأنها محكومة بالنوايا الصادقة، والمصالح الدائمة، وحُسن النوايا، وذلك الدوام من دوام الجغرافيا، والجيرة الطيبة، والاعتقاد بضرورة التعاون، والتفاهم لما فيه المصلحة العليا للبلدين والشعبين.
وختامًا.. شكرًا لوطني العزيز عُمان بما تمثله من تميز وحياد، وبما لها من محور ارتكاز للخير حول العالم، وشكرًا للجمهورية الإسلامية الإيرانية لحفظها للود والتعاون والمحبة مع عُمان خاصة، ومع الدول العربية والإسلامية عامة.. ولا نامت أعين الأعداء.