سادجورو.. هل نخشى الآخر؟

 

 

علي بن بدر البوسعيدي

 

لم تكن الزوبعة التي أُثيرت حول زيارة الناشط البيئي سادجورو جاغي فاسوديف، من جمهورية الهند، سوى انعكاس لما نُعانيه من إشكاليات في ثقتنا بأنفسنا؛ إذ لم نكن نحن العمانيين على مر السنين رافضين للآخر، مهما كان؛ بل ظلت سمة التسامح والتعايش وقبول الآخر من الصفات الأصيلة في مجتمعنا ونقلناها لمن عاش بيننا من شعوب أخرى، فماذا حدث؟!

ابتداءً وقبل الرد على هذا التساؤل، أؤكد بأشد العبارات الرفض التام للإساءة إلى الإسلام وثقافتنا الإسلامية، أو الاستهزاء بها أو الافتراء عليها زورًا وبهتانًا، لكن في الوقت نفسه، هذا الرفض لا يعني رفض الآخر، ولكن مواجهته والرد عليه ودحض شُبهاته ومجادلته بالتي هي أحسن، كما علمنا ديننا الحنيف.

لقد أصابتني دهشة كبيرة من رد فعل الكثيرين على تويتر، وأقول على تويتر لأنَّ ردود الأفعال والتعليقات لم تصدر إلا من جماعة السوشال ميديا والذين في أغلبيتهم- مع كل أسف- يسايرون التيار، ويركبون الموجة في أغلب الأحيان، والكثير منهم لا يسمحون لأنفسهم بدقيقة تفكير أو إعادة حسابات؛ بل ينساقون وراء "الهاشتاج" أو "الترند"، بحثًا عن "إعجاب" أو "ريتويت" (إعادة نشر). ومنبع دهشتي تلك الحالة الرافضة لدخول المذكور بلادنا، وكأننا هكذا انتصرنا عليه، ورددنا الصاع صاعين! لكن في حقيقة الأمر أننا لم نمارس سوى ما يُعرف بـ"الهروب من المواجهة"، لم يطرح أحدٌ قط مبادرة لإجراء مناظرة مع هذا الرجل أو غيره ممن لا يفهمون ديننا ولا يعرفونه حق المعرفة، فيتقوّلون ويفترون ويطلقون سهام انتقاداتهم، حالهم حال بعض المستشرقين الذين- حتى الآن- يشككون في القرآن ويسعون إلى الزعم بوجود "تناقضات" أو "نقصان"- حاشا لله- في القرآن الكريم أو سنة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام. بِتنا- كمسلمين- نهرب من مواجهة الآخر، بإقصائه ورفضه دون الحديث المُباشر معه، لم نعد نملك تلك الثقة العالية في النفس، أصبحنا نُدرك في قرارة أنفسنا أن معظمنا إيمانه هش وضعيف، ولا يحتمل أي تأثير خارجي، فبمجرد أن يخرج أحدهم فيتحدث بغير علمٍ عن الإسلام والإيمان، نشُن حربًا شعواء عليه ونُهاجمه دون أن نفند ما يقول ونوضح للعامة حقيقة زعمه وجوهر افتراءاته.

زيارة سادجورو إلى السلطنة لم تكن- ولن تكون- من أجل مهاجمة الإسلام، أو الطعن في وجود الإله الخالق جل في علاه، ولكنها تستهدف الحديث عن مبادرة عالمية ترعاها منظمة الأمم المتحدة والجمعيات الدولية المدافعة عن البيئة؛ حيث تسعى هذه المبادرة العالمية إلى إبراز أهمية المحافظة على التربة والعناية بها، من أجل ضمان الأمن الغذائي وصون الموارد وتحقيق الاستدامة البيئية. ولا يخالطني شكٌ في أن هذه الأهداف لا يختلف عليها اثنان؛ بل إنها تنبع من صميم إيماننا بالإسلام، الذي يحثنا على المحافظة على البيئة وصونها بشتى الطرق.

خلاصة القول.. إن قيم التسامح والتعايش التي نتحلى بها لا يجب أن تكون في مهب الريح، كلما حدث موقف عابر، مثل زيارة سادجورو؛ بل يتعين علينا أن نواصل ممارسة التسامح والتعايش مع الآخر، وفي الوقت نفسه نرد عليه بالحجة والبرهان والأدلة الدامغة إذا ما افترى على معتقداتنا، بينما المنع والاقصاء والرفض العنتري من أجل الرفض وحسب، فهذا لم يكن من شيمنا ولا خصالنا، وإنما صفات دخيلة علينا، نتيجة انتشار التطرف والتزمت الديني المشبوه في المنطقة والعالم. ولذلك علينا أن نبتعد عن هذه الصفات السلبية، ونتحلى بالإيجابية في مواجهة الآخر ولا نخشاه، لأنَّ الحق معنا، والله وكيلنا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.