علي بن مسعود المعشني
العلاقات الدبلوماسية بين الدول تحكمها أطُر وقواعد عامة معروفة أهمها احترام السيادة والخيارات والندية في التعامل، كما تتأثر قوة أو ضعف هذه العلاقات بمنسوب المصالح المشتركة بينهما ومدى وحجم توظيفها بين البلدين، وما بين سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية وشائج جغرافيا وتاريخ وسجال فائض قوة من الطرفين، ومد وجزر تاريخي يستحق الحديث والتوظيف لإنتاج علاقات ثنائية ترتقي من التميز إلى القدوة الحسنة.
حين يلتقي المسؤول العُماني بنظيره الإيراني فهناك تجوال فكري وسياحة تاريخية وفي ربوع الجغرافيا، لا تنتهي ولا تنقطع، فكل منهما يعلم ويدرك حجم وفواصل الالتحام والتطابق بين الكيانيين السياسيين؛ حضاريًا وتاريخيًا، وبين البلدين المعاصرين اليوم. وبمنطق الجوار ومفردات المصالح اليوم، هناك الكثير مما يُمكن الحديث عنه في العلاقات بين عُمان وإيران، فبعيدًا عن خطاب الطموح وسقف الأمنيات هناك الكثير من المُمكنات من عناصر ومفردات التكامل بين البلدين والتي يمكن أن تتشكل من خلالها قواعد صلبة للدبلوماسية الشعبية، هذه الدبلوماسية التي يُمكن البناء عليها بثبات وإثمار.
وثمة دول تسلك استراتيجية ما يمكن أن نسميه بـ"الدبلوماسية الاستعراضية"، وهي الدبلوماسية التي يُراد منها تسجيل التواجد على الساحة الدولية فقط عبر شبكة تتكون من أكبر عدد من البعثات الدبلوماسية، بغض النظر عن تحقيق عنصري التأثير والعائد المادي والمعنوي؛ وهو أقرب إلى السعي لتسجيل النقاط وتحقيق الأرقام فقط لا غير، وهناك دول تحرص على نهج الدبلوماسية الانتقائية المؤثرة ذات العائد المجزي والتي تؤطرها نظم وقواعد ثابتة وجلية.
ولتحقيق الدبلوماسية المؤثرة لا بُد من خلق الهوية أولًا لهذه الدبلوماسية وتأهيل الكوادر القادرة على تنفيذها، ثم البحث عن الأطر الداعمة لهذه الدبلوماسية لتحقيق النجاح والمكاسب منها. ومن عوامل نجاح الدبلوماسية وارتقاء وتيرتها: الممكنات بين البلدين، والتي يمكن تعزيزها دون عناء وتوسعتها والبناء عليها بثبات وما بين سلطنة عُمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية مُمكنات لا تُحصى يُمكن تطويرها واستثمارها والبناء عليها؛ لنخرج من خندق المليار السنوي (متوسط حجم التبادل التجاري) إلى رحاب مليارات من المنافع المتعددة على مختلف الصُعد وأوجه التعاون.
ومؤشر التعاون والتبادل التجاري بين السلطنة وإيران والذي لم يتجاوز المليار دولار سوى في السنوات القليلة الماضية، يعكس حجم التباطؤ بين الطرفين في تنمية المُمكنات بينهما.. تلك المُمكنات التي يُمكنها رسم وتحديد السياسة ومؤشرات التوجه لصناع القرار في البلدين والخروج من سياق دبلوماسية القمة المليئة بالتحرج والمجاملات والتورية الى رحاب الدبلوماسية الشعبية والتي تقودها المصالح وفئات الشعب المختلفة في البلدين من رجال أعمال وحركة طُلاب وسياح وزيارات نُخب فنية وفكرية وثقافية وفعاليات دائمة في كلا البلدين.
عادة ما تبحث البلدان عن كيفية خلق مفردات تعاون من العدم بينها؛ لتشكل نواة صلبة لاحقًا تعزز العلاقات الثنائية بينها عبر سلسلة من المصالح، تلك المصالح التي توجه السياسات لاحقًا وتلجم الانزلاقات والمواقف السلبية بين الدول والشعوب، فما بالنا حين تكون تلك المفردات والمصالح على السطح أساسًا ولا تحتاج إلى مكتشف أو مُستبصر بقدر ما تحتاج إلى قرار وإرادة وتفعيل فقط.
قبل الختام.. يمكننا القول إن ما يجمعنا نحن في عُمان مع إيران أكثر مما يُفرِّقنا، وهذه المعادلة كفيلة بتبديد ما يفرقنا وما نختلف عليه بالتدريج وعبر النوايا الحسنة، فالجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا والطاقة والسياحة والتعليم بأنواعه ومراحله وقطاعات الصناعة والزراعة، جميعها يمكن من خلالها نسج تعاون مُثمر وعلاقات مثالية بين البلدين.
قبل اللقاء.. العلاقات بين الدول تُبنى على القواعد الدائمة كالسلام والتعاون كونه قاعدة بشرية وتاريخية ثابتة، ولا تُبنى على الاستثناء المتمثل في الاحتراب واختلاق الخلافات والنوايا السيئة.
وبالشكر تدوم النعم.