"يقتل القتيل ويمشي في جنازته"!

 

عائشة السريحية

مثل عربي شهير يكاد لا يجهله أحد، وهذا المثل هو المعنى الحقيقي لمن يمتلك الكثير من الأقنعة، يستخدمها ليصل بغروره لمبتغاه مطبقًا نظرية ميكافيللي "الغاية تبرر الوسيلة".

هذا الشخص موجود في كل زمان ومكان، حاذق وماهر، خبيث ومكار، ممثل بارع، ونشيط في التعاطي المجتمعي، لديه ذكاء اجتماعي، ودموع تماسيح تتساقط بلا كبرياء، ولسان يدس السم في العسل.

مجموعته من الأقنعة متعددة، لكل موقف قناع، ولكل هدف قناع، إن سمعته أعجبك كلامه وكان ممن قال الله فيهم:"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُۥ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ".

يستطيعون الظهور بمظهر الحملان الوديعة، وتجد ذلك في أفعالهم وأصواتهم اللينة، فتقع فريسة لأقنعتهم وهم كمن قال الله فيهم: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ". وهنا سنتطرق لكشف أقنعتهم إن رأيت أحدهم أمامك، كي لا تقع ضحية لما يقولون، مجموعة الأقنعة عديدة نذكر أهمها:

قناع الشكوى والمظلومية، سيأتي شاكيا باكيا يكاد القهر يسحقه ويعتصر أضلاعه لشدة ما وقع عليه من الظلم والقهر.

وبعد أن يعي تقبلك يرتدي قناع الاستحقاق الكاذب: فينسج بطولات وصولات وجولات، وسيستعرض أمامك حجج ربما لا يمكن في ذات الوقت أن تعرف حقيقتها أو ملابساتها، ولن يدع لك الفرصة لتفعل، ثم بعد أن يشعر بتقبلك، ويتأكد أنك أصبحت حليفاً له، ومقتنعا بمسألة استحقاقه، سيرتدي قناع التسلق ليخرج منك ومن غيرك بأكبر فائدة ممكنة، لكنه لن يتركك حتى يخرج ويديه مليأتين،  وبعد أن يحقق مبتغاه يرتدي قناع النرجسية وهو زعيم الأقنعة.

هذا القناع له صفات تحتاج لمقال كامل كي نشرحها، لكنه باختصار سيجعلك مملوكا له حتى وإن أظهر لك العكس.

كل هذه الصفات لابُد وأنك يا عزيزي القارئ قد واجهت شخصًا يُدهشك بقدرته على إتقان استعمالها؛ بل يجعلك بعض الأحيان تندهش من الطاقة المهدورة في تركيب الأقنعة وتبديلها، وليس هذا وحسب؛ بل قد تجده يهاجمك بسبب وبدون سبب لمجرد أنه رآك عابرا أمامه تدندن مع نفسك، ظانا أن الطريق ملكا له وحده، فيستخدم أقنعته مع كل العابرين، وسالكي الطريق، ويقول كما قال قوم لوط لنبيهم: "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون".

هذه الفئة من الناس لا نستطيع بأي حال التخلص منهم، فهم يجيدون البكاء والشكوى، ويتقنون الصعود بسلالم التسلق،  بذكاء وخبث ودهاء.

وبينما أنت تدندن وتستمتع بالهواء الطلق، إذا بك تسمع الأصوات من حولك:

"أخرج منها إنك رجيم"

"أنت لا تشبهنا فلم تعبر نفس الطريق"

"أيها الظالم كيف تجروء على التعدي على غيرك"

ثم يقذفونك بالحجارة، وتحاول أن تفهم ما ذنبك؟

وتتساءل هل الدندنة بينك وبين نفسك جريمة، لا وقت لديك لذلك، تحاول الخروج من الطريق أولا، ثم تحاول أن تبين الوضع أنك مجرد عابر سبيل، لكن الخبيث الذي يقف وراءهم لم يكن يتفرج فقط، بل التقط صورا من زوايا إقناع الآخرين بأنك مجرم معتد أثيم.

ولأنك للآن لم تفهم الصورة بعد، ربما استمع لك أحدهم أو صدقك بعضهم، لكنك ستجد أن عبورك في ذات الطريق هو بمثابة الحرب الدائمة، وهذا سيؤخرك ويبطئ تقدمك، حينها دع لهؤلاء طريقهم، وافتح لنفسك طريقا جديدا، ولكن إياك أن تستسلم أو تظن أنَّ المشكلة فيك أنت، فلطالما لم يستطع صاحب الأقنعة أن يغلفك بألاعيبه، فلن يدعك حتى يقضي عليك، وستسهل مهمته إن استسلمت.

ولكن القصة لا تنتهي هنا، فبعد أن يبعدك تماما عن الطريق وينجح في خطته، سيأتي يوما، بعد موتك المعنوي ويطلب لك الرحمة والمغفرة، ثم يمتدحك طويلا؛ لأنه ضمن أنك قد مت بلا رجعة.

هذه العينات لن تختفي، لن تتغير، لن تتوقف، ولكنها حتمًا ستكشف طال الزمن أو قصر.

وعندها سيوضع مثل آخر ليحل محل الأول: "طباخ السم لازم يذوقه".